الطفل والفن:
عند محاولة وضع
تعريف للفن تعترضنا صعوبة بالغة. ذلك أن الفن لا يخضع للأحكام المطلقة، ولا
يعرفها. وقد حاول كثير من الفلاسفة وضع تعريفات إلا أنها تبقى شخصية. وقد عرفه (
مولر فرينغلس) في كتابه( سيكولوجية الفن) بقوله: << إن لفظة الفن هي من الألفاظ
التي تطلق على شتى ضروب النشاط والإنتاج التي يجوز أو ينبغي أحيانا آن تتولد منها
آثار جمالية>>. إن الفن نوع من اللغة سواء كانت لغة انفعالية،أو لغة رمزية.
وهو قدرة على توليد الجمال. وله أهمية في الحياة اليومية. فقد قال ( بركليس):<< إننا لم
ننس أن نهيئ لنفوسنا المتعبة كثيرا مما يسلبها من عناء الأعمال. فلدينا الألعاب
المنظمة طيلة العام. ومنازلنا يشع منها الجمال والبهجة، وما من شان أن نشعر به
يوميا من لذة وسرورنا بعين من وجود هذه الأشياء يساعدنا على التخلص من الكآبة
والملل>>. وقد كان الاعتقاد السائد، هو أن الفن مادة ثانوية لا يمارسها
إلا الفاشلون. كما كان البعض يعتبر أن الفن خاص بالطبقة الارستقراطية. لكن غير
المعروف هو آن الفن ليس مادة، ولكن لغة تعبيرية ن وطريقة في التعبير والتواصل.
والفن قبل كل شيء يفتح الحساسية لدى الطفل دون أن يكون القصد هو تكوين فنان بارع، أو
اختصاصي في تاريخ الفن. فهو لا يمكن أن يعوض الأداة المدرسية،ولكن هناك تعايش
وتآلف ما بين الفنون والمدرسة. والطفل مبدع. فمنذ حركاته الأولى يمكنه أن يخربش
خطوطا على الورق، أو الجدار أو الثرى. وهذه الخربشات لا تخلو من فنية. بل يرجعها
البعض إلى المرحلة الساذجة في الفن. فالطفل مبدع عن طريق الحاجة. وهي حيوية ونشاط
لنمو، تعمل لخدمة ذاته. وهذا يتم في تناسق حيث تنمو أحساسيته بالجمال، وحساسيته
الجمالية. والسؤال المطروح، هو: لماذا يرسم الأطفال؟. إن الطفل يرسم لإشباع مجموعة
من الدوافع والحاجات ن منها: · حاجات حس حركية. كالحاجة إلى التنفيس عن
الذات،والحاجة إلى التعبير عنها، والحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات. · البحث عن
الجميل والجمال. فالشيء الجميل هو الذي يحتوي في نفسه وفي خارج نطاق الذات ما يثير
في إدراك المرء فكرة العلاقات. 2 – الطفل والتربية الجمالية: التربية الجمالية
ضرورية لطفل، لأنها تشجعه على الابتكار والإبداع والخلق،والفن. وتجعل الحياة في
عينيه جميلة، وحلوة وراقية. كما أنها تدفعه إلى قضاء وقت فراغه، وتزجيته واستغلاله
في ملاحظة الفن، وإنتاج الجمال وتقديره. وبالتالي تكون بطريقة غير مباشرة ملكة
الحكم لديه، والنقد الفني. وتنمي فيه التذوق الفني والجمالي. وهذا كله يخدم
إنتاجيته للفن والجمال، والتعبير عن نفسه وذاته فنيا وتشكيليا. كما أنها تعلمه بعض
المثل الخلقية، وتساهم في إدماجه في المجتمع. وهذا ما جعل كثيرا من المربين يدمجون
التربية الفنية والجمالية ضمن البرامج الدراسية الأخرى. والطفل لا بد أن يدفع في
جميع المواد إلى الابتكار، أي خلق علاقات جديدة مع المواد والمناهج الدراسية، لان
هذه العلاقات تمكنه من الوقوف على مواهبه وقدراته، وحدوده الفنية والجمالية، وحتى
المعرفية. وهذا كله يعوده العصامية، والاعتماد على النفس، والمثابرة وبذل الجهد.
والمدرس عليه أن يعمل في دروس التربية الفنية على تحليل بعض الأعمال الفنية، إن
كانت له القدرة على ذلك، أي ألا يقتصر التحليل على إدراك العلاقات والخطوط
والألوان،وإنما يتعدى ذلك إلى المضمون الذي يحتويه العمل الفني. وهذا سيكون عاملا
مساعدا على التعلم والفهم والإدراك، والاستيعاب لكل المواد. من هنا يشير جل
المربين إلى أن التربية الفنية يمكنها أن تخدم جميع الدروس إذا تداخلت معها، وفيما
بينها. وتكاملت معها. كما عليه أن يوفر أسباب الجمال في قسمه، وفي كل ركن من أركان
المدرسة حتى ينمي ذوق المتعلمين للجمال. وان يطلعهم على نماذج من بعض الأعمال
الجديدة لكبار الفنانين العالميين، وحتى المغاربة. وان تكون هذه النماذج من بساطة
الفكر، بحيث يدركها الطفل وتدخل في دائرة خبرته. ويعد نموذج( لونفيلد) في مراحل
النمو أكثر النماذج شيوعا، وشمولا. ويتضمن: 1. مرحلة التخطيط( من 2 إلى 4 أعوام).
وتتضمن: · الشخبطة العشوائية( الخربشة).
· التخطيط المتحكم فيه. · الرموز
المسماة: تتطور تخطيطا ته ويطلق عليها تسميات معينة. 2. مرحلة ما قبل الإيجاز الشكلي:
( من 4 إلى 7 أعوام): وتبدأ فيها المحاولات الأولى للتمثيل الواقعي. وتتميز بالبحث
في المفاهيم والرموز خلال الرسم، واكتشاف العلاقة بين الرسم والواقع المرئي. ويميل
الطفل في هذه المرحلة إلى الأشكال الهندسية. 3. مرحلة الإيجاز الشكلي( من 7 إلى 9
أعوام): يستقر الطفل على صيغة موجزة وجمعية يعبر بها عن عدة أشياء متشابهة. 4.
مرحلة الواقعية( من 9 إلى 12 عاما): يصبح الطفل في هذه المرحلة واعيا برسوماته.
كما يعبر عن الحقائق البصرية رسما، مع إبراز التفاصيل والجزئيات، واختلافات اللون
وتدرجاته. وبالتالي تصبح رسوماته أكثر واقعية من ذي قبل. 3- خصائص رسوم الأطفال
التعبيرية: إن الطفل يمر من مراحل نمو للرسم تجعلها تمتاز بخصائص مميزة. وقد كان
ينظر إليها سابقا على أنها أخطاء طفلية، لأنها لا تنبني على القواعد الفنية
المطلوبة. ومن هذه الخصائص: 1. التسطيح: إن للطفل تقنيته الخاصة في الرسم. فهو
يبسط جميع جوانب الشيء المرسوم، ويمثل جميع جوانبه وأجزائه. أي تأتي رسومه ممدة
خالية من المنظور. فهو يرسمها كما يراها من زوايا متعددة في آن واحد. 2. الخلط بين
المسطحات والمجسمات في مكان واحد: إن الطفل لا يلتزم بزاوية واحدة ومعينة أثناء
الرسم، فكأنه يدور حول الأشياء ليراها من زاوية متعددة، أي انه يتخير الأوضاع
المثالية للشيء المرسوم. 3. المبالغة والحذف آو الإهمال: إن الطفل عندما يريد أن
يبرز أهمية شيء ما ، فإنه يقوم بتضخيمه حتى يصبح اكبر من الأجزاء الأخرى،ويبالغ في
ذلك. أما إذا أراد أن يبرهم عن عدم الأهمية فإنه يهمل بعض الأجزاء التي ليست لها
قيمة من وجهة نظره، أو بحذفها، أو يعطيها حجما صغيرا جدا لا يتناسب مع الشكل
المرسوم. وهذا يبين مدى إدراكه للنفعية ووظيفة الأشياء في الواقع المرئي. 4.
الشفافية: نقصد بها إظهار الطفل ما بداخل الأشكال المرسومة من محتويات، والكشف عما
وراء الجدران من أشكال لا يمكن رؤيتها بصريا. فهي صور مشعة،وهي تدل على تضمين
الطفل رسومه الحقائق المعرفية التي يدركها عن الأشياء في الواقع المرئي. 5. خط
القاعدة: الطفل لا يترك في رسومه الأشكال معلقة في الفضاء، وإنه يستخدم خطا موازيا
للحافة السفلى لورقة الرسم، أو تحت الرسوم تعبيرا عن الأرض التي ترتكز عليها. 6.
التمثيل الزماني والمكاني: عن الطفل في رسوماته لا يرتبط بزمان ومكان معين. بل
يرسم على ورقته مجموعة من المشاهد مختلفة الأبعاد، والمضمون والأحداث دون مراعاة
للزمان والمكان. فهو عندما يريد أن يحكي قصة رسمها، يرسم جميع أحداثها على نفس
الورقة. وهذا يبين أن إدراك مبدأ الجزئية والكلية لم يتضح بعد عنده. 7. الجمع بين
اللغة التشكيلية واللغة اللفظية: كثيرا ما يلجأ الأطفال إلى إرفاق رسومهم بكتابات
وتعابير لفظية، وذلك ربما لإيمانه بأن هذا سيزيد المتلقي قناعة برسمه وبموضوعه. 4
– تنظيم الطفل لرسوماته على بياض الورقة: يقصد بذلك الطريقة التي يضع الطفل كلماته
ورسوماته، ويعمل على ترتيبها على حيز الورقة. وهناك مجموعة من طرق التنظيم يلجأ
إليها الطفل عند الرسم. ومنها: · التنظيم التناثري: الأشكال المرسومة قليلة، ولكن
الطفل يبعثرها في أنحاء ورقة الرسم دونما تفاعل فيما بينها. · التنظيم الحشوي:
الطفل يلجأ إلى رسوم أشكال أخرى لملء فراغ الورقة فقط. · التنظيم التصفيفي: أن
يرصص الأشكال المرسومة في صفوف على مستوى واحد، وتكون لها أرضية أو قاعدة. ويكون
التصفيف أفقيا أو مائلا. · التنظيم شبه التصفيفي: يلجأ الطفل إلى الخلط بين الحشو
والتصفيف. · التنظيم المحوري: يرسم شكلا محوريا في منتصف الورقة، ويحيط به أشكالا
أخرى. 5 – مكانة الفن في التعليم: يجد الأطفال في التعليم ومناهجه ما يحتاجونه من
معرفة ونشاء تساهم في تكوين مواقفهم، واتجاهاتهم. وتغذي ميولهم. والمدرس هو الذي
يهيئ المناخ. فهو إما يحبب الفن لدى الأطفال، أو يكرههم فيه. وحتى يكون المدرس
فعالا في حصص التربية الفنية، لا بد أن يكون محبا للفن،ولا نقول أن يكون فنانا.
ولكن له إلمام بالجمالية والإبداع والتعبير الفني. وقادر على استخدام أساليب
التعليم الفردي وحل المشكلات، والاكتشاف، واستخدام المصادر والتقنيات التربوية
استخداما فعالا من خلال نشاطاته التعليمية داخل الفصل. فالمدرس له تأثير كبير على
الأداء الفني للتلاميذ وعلى مستوى تعبيرهم الإبداعي والفني، وحتى يكون المدرس
فعالا في دروس التربية الفنية عليه ألا يقدم حلولا جاهزة للمشكلات الفنية، أو فرض
طرق بعينها في استخدام المواد المتاحة في العمل الفني. كما عليه أن يستعين
بالمنبهات الفنية والمثيرات التشكيلية البصرية لإثراء مواقف التلاميذ، ومدهم
بالمصطلحات والمفردات الفنية حتى يغني رصيدهم التشكيلي،والفني. ويتمكنوا من
التعبير باللغة والألوان، وينتقدوا عملهم وعمل زملائهم، لان الفن لغة بصرية. وقد
ذهب الأستاذ ( فتح الباب عبد الحليم) إلى القول بان:<< معلم الفن الذي يقتصر على مجرد
استخدام الكلام مع تلاميذه دون أن يقدم لهم في الوقت ذاته ما تشير إليه كلماته من
مدلولات في أعمال فنية. وهو معلم مشغول بحديث غير مفهوم ولا مفيد. فاللغة اللفظية
لا تستوعب كل العمل الفني لأنها أكثر قصورا وجهودا من الحواس في تناول المعلومات
التي يمكن أن نأخذها من العمل الفني عن طريق الحواس وبخاصة البصر>>. والتربية
الفنية والتي يجب على المدرس اعتمادها في تقريب الفن، ومفهومه إلى التلميذ، هي
مجموع أنشطة بيداغوجية يتعلم فيها التلميذ أصول الفنون، وتقنيات ممارستها، ويكتسب
معارف حولها لأجل تحقيق نموه العقلي والوجداني، والحس الحركي. وتشمل التربية
الفنية كافة فنون التعبير وأشكاله مثل الرسم والنحت والتعبير الجسدي، والمسرح
والموسيقى والرقص. كما تستند في طرقها إلى تربية الإبداع قصد تنمية الكفاءات
الإبداعية، والحس الجمالي لدى التلميذ. أي الوصول بهذا الأخير من حالة محاكاة
النماذج إلى حالة التعبير المبدع والأصيل. وبما أن التربية الفنية تربية، فهي
مجموعة من الوسائل التي تعين في توجيه، وتكوين كائن بشري. كما أنها مجموعة من
الخصائص الثقافية، والمهارات اليدوية والفكرية التي يكتسبها الشخص، وتساهم في
تطوره ونموهن وتكيفه مع المجتمع. 6- الرسوم المدرسية: يقصد بها تلك الرسوم التي
ينجزها المتعلم تحت إشراف المدرس، وتوجيهه في حصة التربية الفنية. وهي خاضعة
لبرنامج وزاري، وكتاب مدرسي ومنهجية خاصة. وتتم عبر حصص ومراحل تختتم بحصة
تقويمية/ تقييمية. 7- التربية الفنية بين البيداغوجيا والديداكتيك: في مؤسساتنا
التعليمية نجد هذه المادة الفنية تعتبر عند الكثير من مدرسينا مادة ثانوية، بما أن
نقطها لا تحتسب وغير مقررة في امتحانات الانتقال. وهذا راجع إلى نظامنا التعليمي
الذي حصر التعليم والتعلم وكل الممارسة التربوية في المعرفة فقط والتلقين، والحفظ،
وتم إهمال الجانب الشعوري والحسي والوجداني. كما أن التكوين الأساس الذي تلقاه المدرس
يجعله عاجزا وغير فاعل في المادة الفنية، ويبرر قفزه على المادة في السلك الأول من
التعليم الأساسي بأنه لا يعرف، وليس رساما أو فنانا تشكيليا. وهكذا تنعدم من
تعليمنا التربية الجمالية، بل انغرست في تربيتنا المغربية النظرة الدونية لكل ما
هو فني: ( تشكيل- رسم- رقص- موسيقى- غناء…)وهذا يجعل بدوره المتعلم لا يكتشف
ميولهن ويجهل مواقفه واتجاهاتهن لان المدرسة لا تساعد على ذلك، ولا تدفع به إلى
تكشف شخصيته، ومعرفة قدراته الإبداعية والفنية. فتضمر فيه هذه الملكات لأنها لم
تجد من يتعهدها بالتوجيه والتدريب والمتابعة. ولذلك المدرس اليوم في حاجة إلى
نموذج إرشادي ديداكتيكي بديل يعمد إلى تحليل التعليم انطلاقا من الخصائص
الابستمولوجية للمادة، ويعترف للمعرفة بأهميتها باعتبارها احد العناصر الأساسية
للنسق الديداكتيكي( المدرس- التلميذ- المعرفة). وتشكل هذه العناصر أنساقا فرعية. ولا
يخرج عمل الديداكتيكي في مادة التربية الفنية عن إطار العمل المفترض توفره في
ديداكتيك سائر المواد التدريسية الأخرى. فهو محدد ومضبوط في مكونات معطاة تشكل
نظاما وميثاقا جوهريا في بناء ديداكتيك المواد
0 التعليقات:
إرسال تعليق