اختر لون الخلفية المفضلة لديك

التربية الجمالية
الزيارات:

Lesarts7 | 6/30/2013 02:29:00 ص |
خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل، وهو المخلوق الوحيد الذي يجمع في طبيعته بين المادية المتعطشة للمحسوسات، والروحانية المتشوقة إلى الجماليات ويرجع ذلك إلى أصل خلقته من طين الأرض والسر الإلهي الذي أودعه الله فيه، ومن هنا كان الإنسان هو مادة التربية الأولى، ولذا كان من الضروري أنْ تهتم التربية بطبيعة هذا الإنسان وخصائصه وفكره وقيمه الدينية والاجتماعية والسياسية والجمالية، كما تهتم بطبيعة المجتمع وخصائصه.                                                                                
وتؤكد إحدى الدراسات([1]) على أنَّ الهدف الحيوي الأول للتربية هو تكوين الشخصية السوية المتكاملة بجوانبها المختلفة، وأبعادها الشاملة وعلى قمة هذه الجوانب الجانب الجمالي الذي يعتبر في منظار بعض المربين بمثابة العامل الحيوي الذي لا يقل أهمية في تكوين الشخصية عن أي جانب آخر كالجانب العقلي، أو الجسمي، أو الاجتماعي، أو الروحي، أو حتى ولقد أوجد الله الإنسان وميزه بالقدرة على الإحساس بالجمال وتذوقه في كل ما يدركه حوله، فالنفس البشرية تواقة إلى الجمال وقد أدرك الإنسان منذ أقدم العصور هذه الحقيقة؛ واهتم بالأشياء الجميلة التي تبعث البهجة والسرور في النفس لأنَّ الاستمتاع بكل ما هو جميل في الطبيعة يعد من أنجح الوسائل للارتقاء بالجانب الروحي في الإنسان، فالجمال بكل ما يحمله من معنى سواء أكان حسياً أم معنوياً تغذية للوجدان، ومن ثََمَّ يُعْتبر الجمال والتربية الجمالية من ضرورات الحياة السوية التي لا يُمْكن الاستغناء ولا يقتصر الإحساس بالجمال على مجرد تأمل الطبيعة فحسب، بل إنَّ الإنسان لو تأمل الواقع المادي والحيوي الذي يحياه في بيئته لوجد في كل ما يتعامل معه ضرباً من ضروب الجمال، فالحياة بدون إحساس بالجمال تبعث على السأم والشعور بالملل؛ ذلك أنَّ للجمال قيمة روحية كبيرة ولذا وَهَبَ اللهُ الإنسان حاسة الذوق الجميل، ويتضح ذلك من خلال انتقاءه للطعام، واختياره للحركة، وتمييزه للصوت، وإدراكه للجمال وتذوقه وغير ذلك من قيم التزين، والتطيب، والنظافة، وصبغ الحياة بالجمال ومكارم الأخلاق، ومن هذا المنطلق فالجمال يشبع حاجة نفسية لا تقل أهمية عن الحاجة المادية لذا لا يستطيع الإنسان أنْ يعيش دون أنْ يتذوق الجمال في كل ما أوجده الله وأبدعه في كونه. ولو اقتصرت النظرة للحياة على جانبها النفعي فقط لأصبحت الحياة رتيبة، ولسادتها النفعية والوظيفية وحدها، ولاستمر السباق المحموم إلى زيادة السلع المادية على حساب الأبعاد الروحية والأخلاقية والجمالية للحياة؛ ولهذا تُعْد التربية الجمالية للإنسان خط الدفاع إزاء السباق المادي المحموم([2]). من هنا تُصْبح الحاجة ملحة إلى تنمية أبعاد التربية الجمالية، والإحساس بالجمال وتذوقه في وجدان النشء مما يسهم في تقدم الحضارة التي غشيتها المسحة الصناعية الآلية نتيجة التقدم العلمي الهائل والذي كان من نتائجه إهمال تنمية أبعاد التربية الجمالية والتذوق الجمالي واللذان بهما يكتسب الفرد الخصائص التي تنميه جمالياً فتنعكس آثار هذا النمو على البيئة والعالم الذي يعيش فيه. والتربية الجمالية ليست غاية، وإنَّما وسيلة من وسائل بناء الشخصية وتكاملها فهي وسيلة بناء روحي تتمثل في التأمل العميق في جمال الكون والاستمتاع بآيات الجمال فيه، كما أنَّها وسيلة بناء أخلاقي لأنَّ التحلي بالقيم الجمالية يرقق مشاعر الأفراد فلا تنافر ولا أحقاد فيكون السلام الاجتماعي في أجمل معانيه، هذا بالإضافة إلى أنَّها تسمو بالفرد ليتجاوز ذاته إلى الآخرين فلا صراع ولا أنانية فيكون التكافل الاجتماعي في أجمل صوره([3]). ويَحُثُ الإسلامُ في مواقف كثيرة على رؤية الجمال والمتعة به وممارسته في السلوك؛ وتضمن القرآن الكريم الكثير من الآيات التي توضح منهج العقيدة الإسلامية في تنمية أبعاد التربية الجمالية للفرد والمجتمع على السواء، وهذه الآيات القرآنية  تبين أنَّ غاية المنهج هو الاهتداء ومعرفة الحق ومقاومة الضلال في كل جوانب الوجود الإنساني سواء ما تعلق منها بالذات أو بالمجتمع أو بالأمة أو بالناس أجمعين . ولهذا فإنَّ القرآن الكريم في إحيائه وتربيته وتزكيته للإحساس بالجمال عند الإنسان فإنَّه يعتمد على التصور الخيالي والتصور الفكري وكلاً من الوعي والشعور في الارتفاع بالإنسان عن جمود الإِلْفِ الذي يحجر الفكر ويخدر الإحساس ليُصْبح من ثمَّ في موقف وجودي منزه عن شواغل المعيشة، ولئن كانت المشاهد تربطه بواقعه الاجتماعي أو بواقعه الطبيعي إلا أنَّه في تساميه الوجودي يُصْبح في موقف الإدراك المباشر للجمال([4]).  تأمل قوله جل شأنه: ) إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا (. (الكهف: 7)، ) ولَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (. (الحجر:16)، وهناك آيات قرآنية أخرى تدفع للرؤية الجمالية وتحث على تأمل الخلق، قال تعالى: ) ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ ( (النحل: 6)؛ وآيات تأمر بالتشبث بالجمال في السلوك كقوله تعالى: ) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (. (الأعراف:31)والنداء في الآية السابقة موجه إلى بنى آدم وهو ينطوي على طلب الاستمتاع بزينة الله في الحياة الدنيا عند كل مسجد، أي عند الذهاب إلى المسجد والاجتماع فيه والمشاركة في العبادة وأداء الصلاة، وإذا طُلب الاستمتاع بالزينة عند أداء العبادة فهي مطلوبة كذلك في غير العبادة، أي ليس من ناحية العبادة فحسب وإنَّما في شتى أنواع السلوك، قال تعالى: ) فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (  (الحجر: 85)، ) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ( (المعارج: 5)، ) واهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ( (المزمل: 10)، وهكذا عمم القرآن الكريم مجالات إدراك الجمال في المتعة بخلق الخالق إلى التزين بالملابس، وعمق الجمال حين كشف عنه في صميم السلوك في الصفح والصبر والهجر([5]). ولقد كان منهج النبوة الذي تجسد في سلوك الرسول r في خاصة نفسه، ومع أهله، وفى تشريعه للناس كان هذا المنهج – بصدد السلوك الجمالي والتربية الجمالية- البيان العملي والممارسة التطبيقية للبلاغ القرآني الذي شرع الله فيه منهج الإسلام في هذا الميدان؛ فهذا الرسول الذي جاء رحمة للعالمين كان النموذج الأرقى للإنسان الذي يستشعر كل آيات الجمال في خلق الله، وليلفت النظر بهذا السلوك الجمالي ليصبح سُنة متبعة في مذهب الإسلام، فقد دعا r إلى تزيين قراءة القرآن بالصوت الجميل فقال: "زينوا القرآن بأصواتكم"، وفى مأكله ومشربه وملبسه –على بساطته- كان طالباً للجمال قائلاً: "إنَّ اللهَ جميلٌ يحب الجمال"([6]).وفي الآونة الأخيرة أصبح الحديث عن السلوكيات السلبية المنحرفة، وغياب التربية الجمالية في شتى مناحي الحياة في المجتمع المصري – حيث يُلاحظ أنَّه أصبح لدى أفراد المجتمع  ضرب من اللامبالاة أو عدم الاكتراث بالقيم الجمالية من حيث الاستخفاف بمظاهر الجمال في الحياة متمثلاً في إهمال النظافة، وإلقاء القمامة في كل مكان، ومنتجات صناعية مفتقرة إلى اللمسة الجمالية – الشغل الشاغل للمربين وكافة المؤسسات التربوية والتنظيمات المجتمعية، وأصبحت هذه السلبيات تمثل باعث قلق، وأصبح الجميع يتساءل عن مصدر الخلل وسبب غياب التربية الجمالية وشيوع تلك السلوكيات الخاطئة!،"خاصة وأنَّ القبح والفوضى وعدم النظام والقذارة أصبحت حولنا في كل مكان  في المدرسة (الفناء ودورات المياه)، حتى دور العبادة تحوطها القاذورات، والمنزل فوضى بلا نظام ولا جمال، فالقُبْح من حولنا في كل مكان. والدين يدعو إلي الجمال ويدعو إلي النظام فهل هو عدم الفهم الصحيح بأمور الدين؟ أم عدم التأثر بقواعده ؟ أم عدم السلوك وفق أوامره ونواهيه ؟ هل الوضع الاقتصادي له دخل؟ هل التسيب وغياب القانون له دخل ؟ هل غياب القدوة له دخل ؟" ويتأثر السلوك الإنساني بكثير من الظروف المحيطة بالإنسان مثل: التربية المنزلية والمدرسية وغيرهما من مؤسسات وتنظيمات المجتمع والتي تشكل في النهاية النظام الاجتماعي، لأنَّ تربية الإنسان وإعداده للحياة عملية لا يقتصر تحقيقها في الوقت الراهن على مؤسسة بعينها، وإنَّما تشترك وتتكامل في تحقيقها العديد من التنظيمات المجتمعية مع المؤسسات التربوية من أسرة وأماكن عبادة ووسائل إعلام وأحزاب سياسية وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية؛ فقد انتهى العصر الذي كانت فيه القضايا التربوية تخص مؤسسات تربوية بعينها وازدادت مشاركة الحكومات وبقية التنظيمات المجتمعية في المجتمع من أجل تدعيم القضايا التربوية والتحرك لحلها ([7]).
وإذا كانت التربية تقوم ببذل الجهود من أجل تحقيق النمو للفرد بدنياً وعقلياً، عاطفياً وروحياً، اجتماعياً وسياسياً، أخلاقياً وثقافياً، وجدانياً وجمالياً، وإذا كانت أهداف التربية كذلك فهل اهتمت التربية الحالية بتوفير الوسائل والطرق والأساليب التي تنمى التذوق الجمالي؟، وهل اهتمت المدرسة باعتبارها المؤسسة النظامية التربوية الأولى بتوفير وسائل وطرق تنمى أبعاد التربية الجمالية؟، وهل شاركت التنظيمات المجتمعية المؤسسات التربوية بدور فعال ومثمر لتدعيم أبعاد التربية الجمالية؟، وهل اهتمت الدراسات التربوية والعلمية ببيان مظاهر المشاركة المجتمعية للمؤسسات التربوية تجاه تدعيم وتنمية أبعاد التربية الجمالية بجوانبها المتعددة؟.  إنَّ الدراسات السابقة – على حد علم الباحث- لم تتعرض لدور المؤسسات التربوية في تنمية أبعاد التربية الجمالية، ولم تتعرض أيضاً لبيان أوجه ومظاهر مشاركة التنظيمات المجتمعية للمدرسة لتدعيم أبعاد التربية الجمالية مثلما تعرضت تلك الدراسات لبعض القضايا التربوية الأخرى؛ ومن هذا المنطلق أحس الباحث بمشكلة الدراسة وكان لابد من التفكير في  استراتيجية للتربية الجمالية من خلال التعاون المثمر والدعم المتبادل والمشاركة الفعالة بين التنظيمات المجتمعية والمؤسسات التربوية، لأنَّ التربية الجمالية تجعل من الفرد إنساناً ذا حس مرهف، ومشاعر رقيقة فيميز بين الغث والسمين والجميل والقبيح في حياته الآنية والمستقبلية.   ومن خلال الخبرات المعاشة من الباحث وَجَدَ أنَّ الاهتمام بالجانب الجمالي، وغرس الجمال في نفوس المتعلمين- لينعكس ذلك على سلوكياتهم- من أعظم غايات التربية والتعليم والتي تسعى الأسرة والمدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام وغيرها من مؤسسات وتنظيمات موجودة في المجتمع وتقوم بدور في عملية التنشئة الاجتماعية سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة إلى تحقيقها.  لكن ما يُلاحظ في الواقع والحياة المعاصرة يخالف ذلك!، فالجمال لم يَعُدْ يحتل منزلة في حياة الكثير من الأفراد أو مكانة لائقة سواء كان ذلك في ملبسهم أو مظهرهم أو مسكنهم أو مأكلهم، أو حتى في التعامل مع الطبيعة أو الآخرين. فالنفايات والقاذورات تلقى على قارعة الطريق؛ والأيدي المستهترة تخرب وتقتلع الأشجار وتشوه معالم الطبيعة وجمالها، حتى في البيوت يكدس الأثاث دون تناسق، وفى الشارع يتسرب إلى الآذان الكثير من الكلمات والألفاظ السوقية التي تؤذى المشاعر والوجدان، وامتلأ العالم بالضجيج والأصوات المزعجة، والحياة تتعرض لمشكلات جسام بفعل الإنسان وسلوكه القبيح غير السوي ونشاطاته البشرية غير الواعية، وربما ذلك ناتج عن غياب تربية أفراد المجتمع تربية جمالية والتي تعد من أهم أنماط التربية لأنَّها تهذب انفعالات الأفراد وترقق مشاعرهم وتضبط سلوكياتهم،كما تميز هذا العصر بظهور الإعلانات التي تشوه جمال الشوارع والميادين، وكل ذلك يُعَد من مظاهر فقدان تربية أفراد المجتمع تربية جمالية.   ومن ثم فالمشكلة تربوية في المقام الأول  حيث إنَّ للتربية السليمة الدور الكبير في توجيه سلوك الفرد نحو قيم ومبادئ المجتمع وتعاليمه؛ ومن ثم تتمثل مشكلة الدراسة  في غياب البعد الجمالي وافتقاده في أسلوب ونظام التربية ممَّا أدى إلى قلة الاهتمام بالتربية الجمالية وتخريج  أفراد قليلي الحس الجمالي ممَّا ينتج في نهاية الأمر  مدنية وحضارة بدائية مقفرة لا تلبث أنْ تنهار وتتداعى؛ ولذا تحاول الدراسة الحالية التعرف على أبعاد التربية الجمالية  وأهدافها ووظائفها، والمعوقات التي تحول دون تحقيق أهدافها ، إضافة إلي التعرف على دور المدرسة لأهميته في إيجاد فكر تربوي فعَّال من أجل تكوين السلوكيات الاجتماعية والجمالية الصحيحة، وكذلك مدي المشاركة المجتمعية للمدرسة في تدعيم أبعاد التربية الجمالية، لأنَّ المدرسة والمؤسسات التربوية الأخرى لم تَعُدْ مسئولة وحدها عن القيام بالتربية والإعداد المتكامل لأفراد المجتمع. وتتعدد المعوقات التي تحول دون تحقيق أبعاد التربية الجمالية في المجتمع ومنها:المعوقات التي ترجع إلى ثقافة الفرد، والمعوقات التي ترجع إلى ثقافة الوالدين، والمعوقات التي ترجع إلى ثقافة المجتمع وبعض العادات والقيم التي تسوده، والمعوقات التي ترجع إلى عدم وعى المؤسسات التربوية والمجتمعية بأدوارها تجاه تنمية أبعاد التربية الجمالية، وكذلك غياب القدوة الصالحة وغياب جماعة الإرشاد السلوكي والخُلُقي. ومن أبرز المعوقات التي تحول دون تحقيق أبعاد التربية الجمالية كما ينبغي الثقافة التي يتحلى بها الفرد في المجتمع، حيث إنَّ الثقافة التي يعتنقها الأفراد لها الدور الكبير والمؤثر في نشر وتحقيق أبعاد التربية الجمالية، بل لها الدور الأكبر في نشر وتحقيق التربية عموماً بجوانبها المختلفة، فإذا سادت الثقافة التنويرية التي تبصر الأفراد بأهمية التربية بجوانبها المختلفة في الحياة انتشرت بلا شك التربية الجمالية، أما إذا سادت ثقافة تخالف جوانب التربية كأنْ تنقطع العلاقة بين الأفراد وتراثهم الإسلامي- والذي يدعو دائماً إلى أنَّ النظافة والجمال من الإيمان- ويعتنقوا ثقافة وافدة تدعو إلى النفعية لا صلة لها بالتراث أو القيم السامية فإنَّ ذلك يؤدى إلى هدم مبادئ وأبعاد التربية الجمالية التي ترقق مشاعر ووجدان الفرد. إذن ثقافة الفرد قد تؤدى إلى الرقى بالتربية الجمالية، وقد تؤدى إلى هدم مبادئها وتحول دون تحقيق أبعادها.  وثقافة الوالدين لها أثر عظيم في تربية الأبناء ،لأنَّه كلما ارتفعت ثقافة الوالد ارتقى ذوقه، ونبلت أخلاقه، وعلت مشاعره، وامتلك ناصية القول في محاورة  أبنائه، وقويت حجته، وكثرت أدلته، واستقام سلوكه فاستجاب أبناؤه إلى نصائحه وانصاعوا لأوامره طوعاً وحباً؛ وعن قناعة ورضا لا عن قهرٍ وتعسف؛ وإذا كانت ثقافة الأم رفيعة المستوى أدى ذلك إلى قدرتها الفائقة على تربية أبنائها على خير وجه؛ وإذا كانت ثقافة الأب ضرورية في تربية الأبناء فإنَّ ثقافة الأم أشد ضرورة ذلك لأنَّها أكثر التصاقاً بهؤلاء الأبناء وأكثر تفاعلاً معهم([8]).   وإذا كان لثقافة الوالدين أثر عظيم في تربية الأبناء فإن أثر هذه الثقافة عظيم في الارتقاء بوعيهم بأهمية وضرورة التربية الجمالية ونشر مبادئها والاعتناء بمظاهرها، بل إنَّ ثقافة الوالدين تساعد الأبناء على الالتزام بالجمال في السلوك اليومي في المأكل والملبس والمسكن والحديث، فضلاً عن ذلك فإنَّ الوالدين المثقفين قادران على فهم واستيعاب ما ينشر عن أبعاد ومبادئ التربية الجمالية، ويفهمان ما تبثه أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومن ثم تتسع دائرة العلم عندهم بأهمية التربية الجمالية في الحياة.وفى المقابل إذا كان الوالدان لا يتمتعان بثقافة راقية مستنيرة فهذان الوالدان يعدان معوقاً من معوقات نشر أبعاد التربية الجمالية في المجتمع لأنَّهما لن يكونا قدوة صالحة لأبنائهم في سلوكهم، ومن هنا تُصبح ثقافة الوالدين سلاح ذو حدين أحدهما النفع، والآخر الضرر. ومن المعوقات الهامة التي تحول دون تحقيق أبعاد التربية الجمالية ثقافة المجتمع وبعض العادات والقيم التي تسوده ، وذلك عندما تنتشر في المجتمع ثقافة تخالف مبادئ وتعاليم التربية الجمالية كتلك الثقافة التي لا تهتم بالنظافة وأهميتها، أو لا تهتم بالنظام والتناسق والتناغم بين الحياة وجوانبها المختلفة وبين التربية؛ فإذا سادت ثقافة تتصل بالدين وتُعْلِى من شأنه فلاشك أنَّ هذا ينمى أبعاد التربية الجمالية، لأنَّ الدين بمبادئه وتعاليمه يحث دائماً على الجمال في كل شئ ويربى أتباعه على ذلك. وتشتمل كل ثقافة من الثقافات على مجموعة من العادات والقيم الاجتماعية التي تسود المجتمع والتي تقوم بدور هام في تكوين البناء الثقافي والاجتماعي والجمالي للمجتمعات، فهي تعتبر الإطار المرجعي للسلوك الفردي، وهى القوة الدافعة للسلوك الجماعي وكثيراً ما تعوق هذه القيم والعادات نجاح برامج التربية بأشكالها المختلفة، إذا كانت جامدة ومتخلفة، حيث إنَّ نجاح عمليات التنمية الشاملة تحتاج إلى قيم وعادات مرنة ومتطورة([9])، وإذا سادت في المجتمع عادات وقيم الانعزالية وعدم تقدير الوقت والتواكلية والسلبية والخوف من المستحدث فإنَّ ذلك بلا شك يعد معوقاً هاماً من معوقات نشر أبعاد التربية الجمالية. والأسرة هي التي تنمي سلوك أفرادها واتجاهاتهم وميولهم، وتوجهها سلوكهم نحو الأفضل، وهو ما يُلْقى على الأسرة عبء كبير في تنمية أبعاد التربية الجمالية وقيمها المتعددة، ممَّا يتطلب منها أنْ تكون على وعى بأهمية التربية الجمالية أولاً، وعلى وعى بأهمية دورها في تحقيق أبعادها ثانياً ومن هنا فلابد أنْ يكون سلوك الأسرة- ممثلاً في الوالدين والكبار- متفقاً مع مبادئ التربية الجمالية، فإنَّ قلة وعى الأسرة بدورها تجاه نشر مبادئ التربية الجمالية يُعد من أكبر معوقات التربية الجمالية. ودور المدرسة أيضاً دور جلي وظاهر في تثقيف الناشئة وتربيتهم تربية جمالية وذلك عن طريق ما تقدمه لهم من خبرات متنوعة، وأنشطة متعددة، ومعارف تغطى كافة المجالات والجوانب الإنسانية ،ولا يمكن اعتبار المدرسة مؤدية لرسالتها على الوجه الأكمل إلاَّ إذا عنيت بتربية المتعلم من جميع النواحي وخاصة الناحية الجمالية، وأعدته إعداداً سليماً لحياته المستقبلية، ولكن ما يُلاحظ اليوم أنَّ معظم المدارس وخاصة الحكومية لا تعتني إلاَّ بإكساب الناشئ مجموعة من المعارف والمعلومات وما هو منصوص عليه في المناهج الدراسية فقط دون الاهتمام بالناحية الأخلاقية أو الجمالية لغياب الفلسفة الواضحة التي تسير على هديها، ومن هنا يمكن القول بأنَّ نقص  وعى المدرسة بأهميتها وبأهدافها الشاملة يعد من معوقات تنمية أبعاد التربية الجمالية. أما دور العبادة فهي عامل مهم من عوامل التربية، وهى تُعد مؤسسة مجتمعية وتربوية في غاية الأهمية لبناء الفرد بناءً متكاملاً متوازناً حيث تحمل المسجد منذ صدر الدعوة وعبر مراحل التاريخ الإسلامي وحتى الآن أعباء ومسئوليات التربية الشاملة والمتكاملة لقوى الأفراد؛ ولكن يلاحظ اليوم وبعد طغيان عصر المادة والمنفعة أنَّ دور العبادة- المساجد- أصبحت رسالتها قاصرة على أداء الصلوات وخطبة الجمعة، حتى خطبة الجمعة أصبحت تقليدية لا تعالج الموضوعات الحياتية، ويُلاحظ أنَّ الخطيب أصبح غير مثقف وغير مؤهل وغير مُدْرِك لدوره الخطير في نشر مبادئ الحق والخير والجمال بين أفراد المجتمع، ولهذا أصبح عدم وعيه بهذا الدور من معوقات نشر مبادئ وأبعاد التربية الجمالية. ويتطلب الوعي بمبادئ التربية الجمالية وأهميتها مستوى ثقافي وحضاري، كما يتطلب وعياً اجتماعياً، ولذا فإنَّ التربية الجمالية يجب أنْ تشمل المجتمع كله من خلال مساهمة حقيقية عبر مؤسسات المجتمع المختلفة ولاسيما وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وذلك لما لها من انتشار وتأثير في المجتمع، ولكن ما تقدمه وسائل الإعلام اليوم وخاصة القنوات الفضائية والأقمار الصناعية الوافدة من صور هدامة للأخلاق والقيم الجمالية، ومشاهد هابطة يؤدى إلى عدم نشر مبادئ التربية الجمالية. وتأتى الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والعمالية وهى من التنظيمات المجتمعية المهمة والتي تدعم وتساند المؤسسات التربوية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة منها؛ وهى تنظيمات تساعد على بناء الشخصية المتكاملة الجوانب وتهدف إلى مشاركة الأفراد بالقول والفعل في القضايا الاجتماعية المختلفة، ورفع الروح الجماعية والإحساس بالمسئولية عند الأفراد، ومن أهم القضايا الملحة في المجتمع نشر مبادئ التربية الجمالية وتحقيق أبعادها المختلفة بكافة الطرق والأساليب؛ لكن يُلاحظ بالمشاهدة والواقع أنَّ هذه التنظيمات  لا تعي أنَّ لها دوراً مهماً في تثقيف وتربية أبناء المجتمع جمالياً، وضعف وعيها بهذا الدور يعد من معوقات نشر أبعاد التربية الجمالية.  وتعتبر القدوة الصالحة أهم الأساليب التربوية المستخدمة في تحقيق أبعاد التربية الجمالية، ونتيجة لذلك كان لابد من قدوة للبشرية فكان سيدنا محمد r بشخصه وشمائله وسلوكه وتعامله مع أفراد المجتمع، باعتباره المثل الأعلى،والترجمة العملية الحية الخالدة لروح القرآن الكريم وحقائقه وتوجيهاته وآدابه وتشريعاته، فالقدوة في التربية هي أفضل الوسائل جميعاً وأقربها إلى النجاح في تحقيق الأهداف التربوية([10])،وكان سلوك الرسول r في حياته يتسم بطابع الجمال سواء في مظهره أو أقواله أو أفعاله، والحُسْن والجمال والزينة هي السمات المميزة لملابسه ومظهره الجسمي سواء في صلاته أو أثناء أداء شعائر العبادات([11]).وصور الإقتداء بالرسول r في مجال التربية الجمالية عديدة، في اختياره للاسم الحسن، وفى آدابه في تناول الطعام، وفى مظهره وجوهره، وفى ملبسه ونظافته، وفى حديثه وسلوكه، أما الآن فقد غابت القدوة الصالحة في المنزل والمدرسة وأماكن العبادة والشارع، ولذا يرى الباحث أنَّ غياب القدوة الصالحة من أكبر معوقات نشر أبعاد التربية الجمالية في المجتمع.وتقوم جماعة الإرشاد السلوكي والخلقي في المجتمع  بنشر الآداب السلوكية والخُلُقية وفض الخصومات وما قد يطرأ من منازعات بين الرفاق داخل المدرسة أو خارجها، ويتم اختيار هذه الجماعة داخل المدرسة من التلاميذ الممتازين في سلوكهم وآدابهم، وخارج المدرسة من أصحاب الفكر المستنير والخُلُق القويم والذوق الرفيع،وعلى هذه الجماعة ملاحظة تصرفات أفراد المجتمع وتوجيههم إلى السلوك الجميل والخُلُق الكريم وذلك عن طريق الأساليب التربوية الفعالة كالقدوة الحسنة، والنصح بالحسنى واللين والمودة والرفق وحسن التصرف، والموعظة الصادقة، وممَّا لاشك فيه أنَّ القيام بمثل هذا العمل له آثاره الطيبة على الفرد والمجتمع ويعتبر امتداداً لوظيفة إسلامية كانت عظيمة الشأن وهى وظيفة "المحتسب"، ولكن عندما غابت هذه الوظيفة وتقلص دورها وغابت هذه الجماعة أصبح ذلك معوقاً من معوقات تحقيق أبعاد التربية الجمالية.  وجملة القول أنَّ أبرز معوقات التربية الجمالية لأفراد المجتمع ترجع إلى ضعف الوعي بأهمية وأهداف ووظائف التربية الجمالية في أذهان الأفراد، وضعف وعى المؤسسات التربوية والتنظيمات المجتمعية بأدوارها المهمة في تدعيم ونشر أبعاد التربية الجمالية، ومن ثَمَّ تركزت مشكلة الدراسة الحالية حول التعرف على مشاركة التنظيمات المجتمعية للمؤسسات التربوية في مواجهة هذه المعوقات من أجل بناء  استراتيجية مقترحة للتربية الجمالية .  وبناءً على ما سبق تدور الدراسة الحالية حول تساؤل رئيس مؤداه : ما الاستراتيجية المقترحة للتربية الجمالية من خلال دعم المشاركة المجتمعية للمؤسسات التربوية ؟ . والإجابة عن هذا التساؤل تستلزم الإجابة عن التساؤلات الفرعية الآتية : ما طبيعة التربية الجمالية من حيث المفهوم والوظائف والأهداف ؟.  ما مصادر التربية الجمالية وما مجالاتها وما أساليبها ؟. وما واقع  مشاركة التنظيمات المجتمعية للمؤسسات التربوية في تدعيم أبعاد التربية الجمالية ؟ .  ما واقع التربية الجمالية في المجتمع المصري من خلال مشاركة التنظيمات المجتمعية للمدرسة في تنمية أبعاد التربية الجمالية ؟.             ما أهم ملامح الاستراتيجية المقترحة للتربية الجمالية من خلال دعم المشاركة المجتمعية للمدرسة ؟.             تسعى الدراسة الحالية إلى تحقيق الأهداف التالية : التعرف على أبعاد التربية الجمالية، وذلك من خلال الكشف عن مفهوم الجمال وخصائصه ، ثم الكشف عن مفهوم التربية الجمالية.تحديد وظائف وأهداف التربية الجمالية.  التعرف على أهم مصادر ومجالات وأساليب  التربية الجمالية. التعرف على واقع التربية الجمالية من خلال مشاركة التنظيمات المجتمعية للمدرسة في تنمية أبعادها.   استخلاص بعض نقاط القوة والضعف في مظاهر مشاركة التنظيمات المجتمعية للمدرسة في تنمية أبعاد التربية الجمالية.  وضع استراتيجية مقترحة للتربية الجمالية في المجتمع المصري من خلال دعم المشاركة المجتمعية للمؤسسات التربوية في هذا المجال.
 أهمية هذه الدراسة :
1-  تأتى في ظروف يمر فيها المجتمع المصري بالكثير من محاولات الإصلاح الاقتصادي والسياسي والثقافي، وإذا كانت المؤسسات التربوية اليوم لا تُمَكِّن أبناء المجتمع من القيم الجمالية بالشكل المأمول حيث تكتفي بالمظهر دون الجوهر، فإنَّ هذه الدراسة محاولة للنهوض بالتربية الجمالية لتصبح من المقومات الرئيسة لتطور المجتمع ورقيه وتقدمه ورفاهية أفراده.
2-  تعالج موضوعاً مهماً وحيوياً وهو "التربية الجمالية"، ودور المشاركة المجتمعية للمؤسسات التربوية في تنمية أبعادها وتدعيم جوانبها.
3-  تُوجه هذه الدراسة العناية والبحث والتأليف في التربية الجمالية ومبادئها والتي يمكن أنْ تُؤدى إلى ضبط الغرائز، ممَّا يعد  عملاً أخلاقياً.
4-  ندرة الدراسات التي أجريت للتعرف على دور المشاركة بين المؤسسات التربوية والتنظيمات المجتمعية في تدعيم أبعاد التربية الجمالية، أو وضع استراتيجية لهذا الجانب المهم من
جوانب  التربية.
5-  قد تُفيد نتائج هذه الدراسة في الحكم على مدى نجاح المؤسسات التربوية والتنظيمات المجتمعية في دعم ومساندة القضايا التربوية.
6-  تُسْهِم الدراسة في وضع تصور مقترح لاستراتيجية تقوم على أسس علمية للدور الذي يُمْكن أنْ تقوم به المؤسسات والتنظيمات المختلفة في تنمية أبعاد التربية الجمالية لكي تستفيد منها الفئات التالية:
·         ·       الآباء والأمهات وأفراد الأسرة.
·         ·       المعلمون والمعلمات وأفراد المجتمع المدرسي.
·         ·       علماء الدين ، ورجال الإعلام وكافة أفراد المجتمع.
·         ·       أعضاء الأحزاب السياسية ، والجمعيات الأهلية، والنقابات المهنية والعمالية.
منهج الدراسة :
تعتمد الدراسة  الحالية تعتمد على المنهج "الوصفي"؛ حيث إنَّه من المناهج البحثية التي تختص بعملية البحث والتقصي حول الظواهر المجتمعية والتربوية والتعليمية كما هي قائمة في الحاضر، ووصفها وتشخيصها وتحليلها وتفسيرها بهدف اكتشاف العلاقات بين عناصرها، والتوصل من خلال ذلك إلى تعليمات ذات معنى لها([12])، ولملائمة المنهج الوصفي لأهداف الدراسة وطبيعتها حيث إنَّ الدراسة تقوم بالآتي:
1-    وصف واقع التربية الجمالية في المجتمع.
2-  وصف مدي تأثير المؤسسات التربوية والتنظيمات المجتمعية وإسهاماتها في تدعيم أبعاد التربية الجمالية في المجتمع المصري.
3-  تحديد وتفسير عوامل القوة والضعف في تنظيمات المجتمع والتي تؤثر على نجاحه في تدعيم أبعاد التربية الجمالية.
مصطلحات الدراسة:                                                                                 1 ) الاستراتيجية Strategy :
تتعدد مفاهيم الاستراتيجية نظراً لتعدد المجالات التى تستخدم فيها، وترجع كلمة استراتيجية للأصل اليوناني Stratorsago  والتي تجمع بين  Strators وتعنى الجيش، وبين ago وتعنى يقود([13])، والاستراتيجية بالمعنى السابق تدل على أنَّها مصطلح استخدم أولاً فى الأوساط العسكرية حيث كان يعنى: "الخطط العامة التى توضع لإحراز أهداف رئيسة مع إدارة الصراع المسلح فى هذا الصدد"([14]).                                                   ثم طرأ على مفهوم الاستراتيجية بعض التطور وصار يُستخدم هذا المفهوم فى الأوساط العسكرية والسياسية حيث أصبح يُعْنى: "حشد واستخدام القوى السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والنفسية وتحريكها فى نسق متكامل ومتوازن لتحقيق الأهداف التى تضعها السلطة السياسية"([15]).                                                                            وتعنى الاستراتيجية أيضاً فى المجال العسكرى: "علم وفن استخدام كل مصادر القوة السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية لوطن معين أو مجموعة أوطان لضمان أعلى قدر من الدعم للسياسات التى يتم تبنيها بقصد تحقيق الأهداف المرجوة على المدى البعيد"([16]).                          ثم اتسع مفهوم الاستراتيجية نسبياً وأصبح يستخدم فى كافة ميادين النشاط الإنسانى، وأصبحت الاستراتيجية تعنى: النظرة المستقبلية الشاملة للعمل فى نطاق أو مجال معين، وتستهدف من ذلك العمل إحداث تغيرات على المدى البعيد وذلك من خلال مجموعة من الأساليب والمداخل المناسبة لهذا المجال([17]).                                                                           وبناءً على التعاريف السابقة يمكن القول بأنَّ مفهوم الاستراتيجية تطور من استخدامه فى المجال العسكرى إلى المجال السياسى حتى اتسع وأمكن استخدامه فى كل الأنشطة الإنسانية وهى عبارة عن برنامج عمل مستقبلى آخذاً فى الاعتبار الإمكانات المتاحة والتحديات المحيطة لتحقيق أهداف بعيدة المدى تتفق مع أهداف وفلسفة النظام العام للمجتمع.                    وتُعْنِى الاستراتيجية في المجال التربوى: مجموعة الأهداف والسياسات والإجراءات والأساليب والبرامج التى من شأنها- بعد تسخير كل ما هو متاح عربياً وعالمياً من علم وفن لتعبئة كل مصادر القوة السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية والاقتصادية بكل بلد من البلاد العربية وعلى المستوى القومى التربوى- أنْ تضمن أعلى قدر من الدعم لتحقيق الأهداف والسياسات والبرامج التى يتم تبنيها بقصد تحقيق الآمال المرجوة على المدى البعيد([18]).                                                                    ويرى  الهادي عفيفي وسعد مرسي  أنَّ المعنى التربوي للاستراتيجية هي عبارة عن: خطة عمل أو اتجاه سير على المدى الطويل يتم اختياره أو اصطناعه لتحقيق أهداف محددة، فالأهداف تمتد على خط طويل يمكن أنْ يُطلق عليه الأهداف العامة من ناحية والأهداف السلوكية من ناحية أخرى، فهذا الخط يربط بين فلسفة التربية من ناحية والأهداف السلوكية التى يسعى المعلم إلى تحقيقها فى سلوك تلاميذه من ناحية أخرى؛ وبين هذين الطرفين المترابطين تقع السياسة التعليمية والاستراتيجية التربوية التى تقوم برسم معالم التخطيط التربوى الذى يصل بالأهداف لكى تصبح سلوك فعلى للمتعلم([19]).                                                                          ومن المنطلق السابق يمكن القول بأنَّ الاستراتيجية هي التي تقوم بتحليل الأهداف العامة للعملية التربوية إلى أهداف إجرائية ممكنة التحقيق عملياً فى الميدان التربوى الذى يصل بالأهداف لكى تصبح سلوك فعلى للمتعلم.   وتعرف اليونسكو الاستراتيجية بأنَّها: مجموعة من الأفكار والمبادئ التى تتناول ميدان التربية بصورة شاملة ومتكاملة ومتوازنة، وتكون ذات دلالة على وسائل العمل ومتطلباته واتجاهات مساراته بقصد إجراء تغيرات فيه وصولاً إلى أهداف محددة، وما دامت معنية بالمستقبل فإنَّها تأخذ فى الاعتبار احتمالات متعددة لأحداثه فتنطوي على قابلية للتعديل وفقاً لمقتضياته([20]).                                                                           وتُعَرَّف الاستراتيجية بأنَّها : خطة للسلوك والفعل ، ومجموعة من العمليات يتم التوصل إليها عن وعي لحل مشكلة معينة أو لتحقيق هدف معين([21]).                                                                                  ويعرفها سيد طهطاوي بأنَّها: الخطة الشاملة التي تحدد كيفية أوطريقة تحقيق المؤسسة لغرضها وأهدافها من خلال ما تتمتع به من مزايا لما تعانيه من مساوئ([22].                                                                 ويعرفها سعيد أحمد سليمان وصفاء محمود عبد العزيز بأنَّها : مجموعة الأنشطة والإجراءات التي يجب أنْ يقوم بها أفراد مجتمع المدرسة كل بحسب موقعه لتحقيق أهداف الخطة، والاستراتيجيات بمثابة جسور لتجاوز فجوات الأداء من خلالها يتم الانتقال بالوضع الراهن للوصول به إلى الوضع المرغوب كما يحدده الهدف العام المنشود([23])
ومن خلال تحليل هذه المفاهيم المتعددة للاستراتيجية، وأيضاً المفاهيم المتعددة الواردة بالفصل الثامن الذي يتناول الاستراتيجية المقترحة يتضح أنَّ الاستراتيجية تتكون من مجموعة من العناصر هي:
أولاً: الخطة.
ثانياً: أنشطة وإجراءات تربوية.
ثالثاً: أفراد المجتمع التي تقوم بتنفيذ الخطة والإجراءات.
رابعاً: الأهداف المحددة التي يُؤمَل في تحقيقها.
    وتقتصر الدراسة الحالية علي تبني العناصر التالية كأساسيات للاستراتيجية المقترحة.  أولا: التوصية بأنشطة وإجراءات تربوية تم التوصل إليها من خلال الدراسة النظرية ومن خلال نتائج الدراسة الميدانية وهي عبارة عن برنامج العمل الموضوع من أجل الوصول إلي الأهداف، ويمثل هذا العنصر المرحلة الرابعة من مراحل وضع الاستراتيجيات التي حددتها الدراسات المتخصصة فى هذا المجال وتبنتها الدراسة الحالية
ثانياً: تتم الأنشطة والإجراءات من خلال أفراد المجتمع والتي تشمل في هذه الدراسة : أفراد الأسرة من آباء وأمهات وأخوة كبار.علماء الدين من أئمة ووعاظ وخطباء. القائمين علي وسائل الإعلام من إعلاميين وإذاعيين وصحفيين وكُتَّاب وغيرهم. رؤساء وأعضاء الأحزاب السياسية.القائمين علي أمر الجمعيات الأهلية.أعضاء النقابات المهنية والعمالية.    
ثالثاً: من خلال قيام أفراد المجتمع بتنفيذ الخطة والإجراءات التربوية المقترحة يتم التوصل إلى تحقيق مجموعة من الأهداف (الأهداف العامة،والمحددة) والتي تمثل المرحلتين الثالثة والرابعة من مراحل وضع الاستراتيجيات التي تبنتها الدراسة.  ومن خلال العناصر السابقة ترى الدراسة  أنَّ الاستراتيجية عبارة عن: مجموعة من الأنشطة والإجراءات التربوية التي يقوم بها أفراد التنظيمات المجتمعية لدعم المؤسسات التربوية ( المدرسة)  في تحقيق أهداف معينة وهي تنمية أبعاد التربية الجمالية .  (2) التربية الجمالية Aesthetic Education:التربية الجمالية كمضمون ودلالة تعني بتنمية الحاسة الجمالية وتطويرها لدى الإنسان، وتفضي إلي إيجاد التناغم والانسجام ويقصد بها: الطرائق والوسائل التي تتخذها الإدارة التعليمية لتنمية الحس الجمالي لدى الطفل من خلال العمل الفني، وهي ليست مجرد تربية مدرسية وإنَّما هي التي تضع الأسس لتربية الوعي المتوازن للفرد، بل أكثر من هذا إذ يمكن أنْ تكون أساساً لبناء شخصية الأمة ([24]، لأنَّها تمثل عنصر التوجيه إلي تربية الأفراد تربية مستمرة مدى الحياة؛ تربية فيها التنسيق بين القوى الإدراكية وبين الدوافع الحسية والوجدانية، وإلي تحقيق التوازن بين القوى العلمية والتقنية وبين القيم الجمالية والروحية والخلقية .  وتعني التربية الجمالية: تكوين الشعور بجمال المخلوقات والابتهاج بها، وتنمية القدرة على إيجاد الزينة لتحقيق الحاجة الإنسانية إليها في ضوء القيم الإسلامية([25]). وتعرف التربية الجمالية بأنَّها : تنمية الإحساس الجمالي في الإنسان للوصول إلى الابتكار والإبداع والتذوق، وينمو الإحساس بالجمال بوسائل متعددة منها الفنون الجميلة كالرسم، والتصوير، والموسيقى التي من شأنها أنْ تقيم جسور الاتصال بين مراكز الاستقبال الحسي لدى الإنسان، ومصادر البث الجمالي المتبدية  في مظاهر الكون المختلفة([26]).  وتري الدراسة الحالية أَّن التربية الجمالية: هي العملية التربوية التي تستهدف تنمية الفرد لكي يُدْرك عناصر الجمال ويحرص علي معايشتها في جوانب حياته المختلفة حتى يصبح مرهف الحس، رقيق المشاعر.              
( 3 ) المُشَارَكة المجتمعية  Community Participation:يرجع أصل كلمة مُشَارَكة في اللغة إلى مادة ( ش – ر – ك ) وهى تعنى المخالطة.  جاء في مختار الصحاح : جمع الشريك شُركاء وأشراك مثل شريف وشرفاء وأشراف، و(شَاركه) صار شريكه، و(اشتركا) في كذا و(تشاركا)، وقوله تعالى:" وأشرِكه في أمري" أي اجعله شريكي فيه([27]).                  وفى المعجم الوجيز: (أشركه) في أمره: أدخله فيه، و(شاركه) كان شريكه، ويقال: فلان يُشَارِك في علم كذا: له نصيب منه، و(اشترك) الرجلان: كان كل منهما شريك الآخر([28]). إذن تعنى الشَّرِكة والشِّرْكة والمُشَاركة: عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل معين.    وفى الاصطلاح تعنى المُشَارَكة المجتمعية: تضافر جهود الحكومة مع القطاع الخاص والأهلي والخيري في مواجهة أي مشكلة، وفى تحديث الخبرات وتطويرها وتقوية أدوار جميع الأطراف المُشَارِكة؛ وذلك من خلال التبادل في الآراء والأفكار والخبرات وتكاملها، وفى الموارد والإمكانات المتاحة لدى الشركاء وتعويضاً لجوانب القصور بين هؤلاء الشركاء([29]).   وتُعَرَّف المشاركة المجتمعية بأنَّها: كافة الجهود التطوعية التي تُبْذل من جانب المواطنين بوعي للتأثير في رسم السياسة العامة والخاصة بهذا المجتمع، واتخاذ القرارات وتنفيذها بما يحقق حاجاتهم المجتمعية([30]). ويُقْصَد بالمشاركة المجتمعية في هذه الدراسة: مُشَاركة أفراد المجتمع وتنظيماته ومؤسساته الاجتماعية للمؤسسات التربوية في تحمل المسئوليات وتقاسم الأدوار لدعم وتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، ومنها أهداف التربية الجمالية وتنمية أبعادها والارتقاء بها. 
 الدراسات السابقة وعلاقتها بالدراسة الحالية
إنَّ موضوع التربية الجمالية من الموضوعات المهمة في المجال التربوي، وباستقراء الأدب التربوي وجد الباحث مجموعة من الدراسات السابقة التي تناولت بعض القضايا التي تتصل بموضوع الدراسة الحالية، وتتمثل هذه الدراسات فيما يلي:                                     
أولاً : الدراسات العربية:
(1) دراسة محمود البسيونى (1986م)([31]):
هدفت إلى تحديد معنى الجمال ومجالاته، ثم تناولت الخبرة الجمالية ودور الإلهام في كشف الجمال، ثم تناولت بعد ذلك الذوق ومعنى التربية الجمالية لكن غلب عليها الجانب الفني التشكيلي مشيرة إلى بعض الآيات القرآنية التي تضمنت معنى الجمال ولكن كان ذلك في عبارات محدودة ومختصرة في متن الدراسة. وقد استفاد الباحث من هذه الدراسة في الحصول على بعض المعلومات عن الجمال والفرق بينه وبين بعض المصطلحات المتصلة به.                                                                          
 (2) دراسة عادل محمد خليل (1988م)([32]):
وهدفت إلى عرض مفاهيم الجمال والإبداع الفني من خلال نظرية النشوء والارتقاء، ثم الموقف الذاتي في إدراك الجمال، وهدفت أيضاً عرض العلاقة بين الجمال والمنفعة وعرض المفاهيم الأساسية أو المقولات الثلاث:"الجميل- الجليل- القبيح"، ثم تناولت مفاهيم الإبداع الفني، والحديث عن الجمال كمقياس للإبداع الفني ثم الإبداع الفني كمحاكاة للطبيعة وارتباطه بالوجدان والعاطفة والقضايا الفكرية؛ ثم تناولت عناصر ومكونات عملية الإبداع بدءاً بالفنان المبدع للعمل الفني ثم العمل الفني ذاته والمتمثل في الشكل والمضمون والذات المتذوقة لهذا العمل الفني، وأخيراً هدفت الدراسة إلى إبراز العلاقة بين الإبداع الفني والمجتمع، ومدى تأثر كل منهما بالآخر ثم علاقة الفن والإبداع بالأخلاق، ثم أخلاقية ولاأخلاقية الإبداع الفني.                                                             
  ورغم أنَّ هذه الدراسة تختلف عن الدراسة الحالية في كونها تتناول فلسفة الجمال من ناحية نظرية النشوء والارتقاء فقد استفاد الباحث من هذه الدراسة في الحصول على بعض المعلومات عن الجمال وطبيعته.                           
(3) دراسة نادية يوسف كمال (1991م)([33]):
وهدفت إلى تحديد عدد من المفاهيم التي تقوم عليها التربية الجمالية مثل: الجمال- علم الجمال- الخبرة الجمالية- التربية الجمالية، وذلك من أجل الوعي بما بين تلك المفاهيم ومفاهيم أخرى مثل: الفن- الخبرة الفنية من تمايز، حيث لوحظ قدراً من الخلط وعدم الوضوح في تحديد تلك المفاهيم، كما هدفت إلى الكشف عن بعض أهداف التربية الجمالية ثم إبراز الوظيفة الجمالية للمدرسة والمعلم، واعتمدت الدراسة في تحديد مفاهيمها ومناقشة تساؤلاتها على أسلوب التحليل الفلسفي؛ وكان من أهم توصياتها: ضرورة إعادة النظر في المناهج الدراسية بحيث يؤخذ البُعد الجمالي في الاعتبار عند وضعها، وكذلك إعادة النظر في برامج إعداد المعلم وما يترتب عليها من تطبيقات تربوية. واستفاد الباحث من هذه الدراسة في التعرف على بعض المصطلحات المتصلة بالجمال، وكذلك بعض المعلومات الخاصة بالإطار النظري.                                                                          
(4) دراسة أحمد ربيع عبد الحميد (1992م)([34]):
استهدفت الوصول إلى الآثار البنائية التي يمكن أنْ تثمرها التربية الجمالية في بناء الشخصية الإنسانية، و استهدفت أيضاً توضيح التصور الإسلامي لماهية الجمال وعلاقته  بالعقيدة ومكانته وخصائصه ،واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي لتحليل بعض الآيات والأحاديث التي تُشير إلى الجمال كظاهرة كونية، وتوصلت إلى نتائج هامة منها: أنَّ الإسلام يخلق الإحساس بالجمال في وجدان المسلم فيظهر على الجسم حُسْناً في الهيئة وجمالاً في الثياب، وعلى الألسنة كلمات مهذبة رقيقة،وأنَّ التربية الجمالية لها آثاراً بنائية في بناء الشخصية المسلمة.                   وقد استفاد الباحث من هذه الدراسة في بعض الأجزاء الخاصة بالجمال، وكذلك كانت دليلاً لبعض المراجع التي استخدمها الباحث في الدراسة الحالية.                                                                                                 
 (5) دراسة عبد الله محمد حريري (1992م)([35]):
هدفت إلى بيان مصادر التربية الجمالية في الإسلام، فتناولت: العقيدة والتربية الجمالية، الشريعة والتربية الجمالية؛ ثم تناولت أساليب تنمية الحس الجمالي في الإسلام والذي أعزاه الباحث إلى التصوير البياني في القرآن الكريم، وتنمية الحس الجمالي في صور مشاهد الكون، وتنمية الإحساس بالجمال في خلق الإنسان، وتنمية الحس الجمالي في الفن الإسلامي.                                                                                 وكان من أهم نتائج هذه الدراسة: أنَّ القرآن الكريم تضمن الكثير من الآيات والمشاهد التي توضح منهج العقيدة في تنمية التربية الجمالية، وأنَّه فتح الباب أمام الفكر الإنساني والعقل البشرى ليتذوق الجمال ويُمْعن النظر ويدقق في مظاهر الكون؛ وأفادت هذه الدراسة الباحث في معرفة بعض الأشياء عن التربية الجمالية.                                                                          
 (6) دراسة محمد على المرصفى (1992م)([36]):
واستهدفت مناقشة مقومات التربية الجمالية في الإسلام، ومناقشة جوانب تدريب الحواس على التذوق الجمالي كما جاء في القرآن الكريم، ثم مناقشة جوانب تدريب الحواس على التذوق الجمالي في الفن الإسلامي، واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي الذي يقوم على الوصف والتفسير، والمنهج الفلسفي الذي يجعل من الأعمال الفنية أسئلة تطرح معنى الإنسان وأبعاده الجمالية، وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: الإحساس بالجمال المادي والروحي فطرة أصيلة في كيان الإنسان كما أنَّه لا صلاح لشأن الإنسان في حياته ووجوده إلا باستقامة إحساسه بالجمال ، وابتعدت الفنون الجمالية الإسلامية عن محاكاة الطبيعة واهتمت بأنْ تكون القيمة الجمالية مستمدة من قواعد تشكيلية كالخط والمساحة واللون والزخرفة. وأفادت هذه الدراسة الباحث في معرفة بعض الجوانب المتصلة بالجمال والتربية الجمالية.                                                                                                                               
 (7) دراسة محمد عبد الباسط عبد الوهاب (1992م)([37]):
هدفت إلى الإجابة عن التساؤلات الآتية:
-       ما التربية الجمالية؟
-   إلى أى حد تتضمن أهداف مناهج الحلقة الأولى من التعليم الأساسى جوانب التربية الجمالية؟
-       ما الصعوبات التى تواجه الواقع المدرسى لتحقيق تربية جمالية أفضل؟
-       كيف تتحقق أهداف التربية الجمالية بالصورة المرجوة.
وتناولت الدراسة نشأة علم الجمال وضروبه، وتناولت جمال الطبيعة والجمال الفنى وجمال التصميم للمنتجات الصناعية وكذلك جمال الصفات البشرية، ثم تناولت العلاقة بين مفهوم الجمال وبعض القيم والمفاهيم والصفات الأخرى التى ارتبطت به ومعايير الجمال ومشكلة الذاتية والموضوعية وأخيراً تناولت قيم التربية الجمالية فى مناهج المرحلة الأولى من التعليم الأساسى.               واستخدمت المنهج الوصفى، وأفادت هذه الدراسة الباحث فى التعرف على بعض أهداف ووظائف التربية الجمالية، وتختلف الدراسة الحالية عن هذه الدراسة فى توجهاتها التربوية، حيث تسعى الدراسة الحالية إلى التعرف على أبعاد التربية الجمالية وواقعها فى المجتمع وكذلك التعرف على مظاهر المشاركة بين التنظيمات المجتمعية والمدرسة فى تنمية هذه الأبعاد.                   
   (8) دراسة نوال أحمد نصر (1994م)([38]):
هدفت إلى تحديد مفهوم التربية الجمالية عند جون ديوى "Jhon Dewey" ثم بيان أهداف التربية الجمالية عنده، وأخيراً إبراز كيفية الاستفادة من بعض آراء جون ديوى عن التربية الجمالية، واستخدمت الدراسة منهج التحليل الفلسفي عن طريق استقراء آراء هذا المربى كما وردت في كتاباته وفى بعض الكتب الأخرى التي تحدثت عنه وعن فكره التربوي؛ ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة : أنَّ الإنسان ليكون اجتماعياً عليه أنْ يسكن في مجتمع جمالي منظم وفق قوانين الجمال، وأنْ يُدَّرب حواسه على أنْ تتناول الشئ من أجل الشئ نفسه.                        وأفادت هذه الدراسة الباحث في التعرف على بعض الآراء في التربية الجمالية، وتختلف عن الدراسة الحالية في كونها تتناول التربية الجمالية من وجهة نظر جون ديوى فقط.                                                                 
 (9) دراسة محمد إبراهيم المنوفي (1995م)([39]):
وهدفت إلى: إبراز موقف الإسلام –قرآناً وسنة- من الجمال، ورد الزعم القائل بأنَّ هناك خصومة بين الإسلام والفنون الجميلة باعتبارها أداة لتوسيع الرؤية الجمالية، ثم هدفت إلى التعرف على أبعاد التربية الجمالية في الإسلام ممثلة في مفهوم التربية الجمالية وأهدافها وبعض الأساليب التي تعمل على تحقيق الأهداف، واستخدمت الدراسة المنهج الوصفى، وكان من أهم نتائجها: أنَّ تنمية قدرة الفرد الإبداعية تحتاج إلى رعاية وذلك يتم من خلال التربية الجمالية التي تُيَسّر الفرص والمجالات والخبرات التي تجعل المتعلم يخوض البحث في كشف الجديد وصياغته وبلورته وإقناع الناس به، وأفادت هذه الدراسة الباحث في الوقوف على بعض معاني الجمال والتربية الجمالية وبعض وظائفها وأهدافها.                   
 (10) دراسة عبد العزيز بن راشد النجادى (1998م)([40]):
هدفت إلى تأكيد الأهمية والارتباط بين التربية الجمالية والتربية الفنية، فالتربية الجمالية ذات أهمية كبيرة في تعليم التربية الفنية، ورعاية التلاميذ منذ حداثة سنهم لتذوق الجمال، وتوصلت الدراسة إلى أنَّ الخبرة الجمالية هي أساس التربية الجمالية إذ بدون الخبرة التي يكتسبها التلاميذ من خلال ما يقدم لهم من مواضيع لها علاقة بالطبيعة أو عن طريق الفن تكون تربية التلاميذ الجمالية ناقصة، وأنَّ البُعد المفقود في تعليم التربية الفنية هو عدم اهتمام معلمي التربية الفنية بتدريس أو مناقشة الجانب الجمالي.                                                                                   ويُلاحظ على هذه الدراسة التركيز على الجانب الجمالي الذي يخدم الجانب الفني، ولكنها أفادت الباحث في الحصول على بعض المعلومات عن مفهوم الجمال والتربية الجمالية.                                                                                              
  (11) دراسة جمال أبو الخير (1998م)([41]):
واستهدفت الكشف عن التطور التاريخي لمفهوم الجمال في التربية الفنية، وكذلك الكشف عن أسس الجمال وذلك من خلال دراسة الأبعاد في جسم الإنسان، واستخدمت الدراسة المنهج الوصفى، وتختلف هذه الدراسة عن الدراسة الحالية في كونها تتناول الجمال وتطوره في مجال التربية الفنية فقط.                                                                                                      (12) دراسة سعودي عبد الظاهر (1999م)([42]):
وهدفت إلى تحديد القيم الجمالية وأهميتها لطلاب المرحلة الثانوية، والتعرف على مدى إحاطة المنهج المدرسي للقيم الجمالية، وكذلك إبراز الوظيفة الجمالية للمدرسة الثانوية وكذلك للمعلم بشكل يضمن تنمية هذه القيم في سلوك المتعلم، وهدفت أيضاً إلى تقديم بعض المقترحات التي تساعد المدرسة الثانوية في القيام بدورها في تربية القيم الجمالية، واستخدم الباحث المنهج الوصفى، وكانت أهم نتائج الدراسة: أنَّ المنهج الدراسي في المرحلة الثانوية ليس مصمماً لإبراز القيم الجمالية، ولذا توصى الدراسة بضرورة إعادة النظر في المناهج الدراسية بحيث يُؤخذ البُعد الجمالي في الاعتبار عند وضعها وتصميمها،وأفادت هذه الدراسة الباحث في التعرف على بعض الخصائص والسمات التي تميز الجمال.
ثانيا الدراسات الأجنبية:
(1) دراسة MCGREGOR, R. J. (1980([43]).
وهى دراسة بعنوان: "التربية الجمالية نموذج ومنهج للتطبيق"، وهدفت إلى تقديم نموذج لتطبيق التربية الجمالية داخل المدارس؛ وتعرف هذه الدراسة التربية الجمالية باعتبارها تطوير للوعى الجمالى أو للثقافة التى تنمى قدرة الإنسان على الاستجابة للظواهر الجمالية المختلفة فى الطبيعة.                                                                                   
وانتهت الدراسة بتقديم نموذج سداسى الجوانب للتربية الجمالية يمكن تطبيقه وربطه بالمنهج المدرسى القائم داخل الفصل، ويمكن إدخال مفهوم التربية الجمالية داخل المدرسة بأنْ يتم الاهتمام بالفنون المتعلقة بكل موضوع من الموضوعات التى يدرسها التلاميذ.                                     
(2) دراسة RAY, R. (1988([44]):
وهى دراسة بعنوان: " النظرية الجمالية وتطبيقاتها فى الفنون والتربية"، واستهدفت هذه الدراسة الوقوف على الوضع الحالى للنظرية الجمالية فى العلوم والفنون، وتحديد تعريف لعلم الجمال.                       وتوصلت إلى نتائج عديدة أهمها: أنَّ تعريفات التربية الجمالية غير واضحة بدرجة كافية، وما هى إلاَّ تعريفات ترتبط بنظرية جمالية خاصة، وأنَّ هناك مجالاً بديلاً يمكن معالجة الموضوع من خلاله وهو الدراسات الرمزية والتى توفر مجموعة من الدروس ذات أهداف ونتائج قيمة ومقدمة لعلم الجمال المتخصص لأولئك الذين يرغبون فى تقصى الموضوع والتعمق فى دراسته.                                                                       
 (3) دراسة Farber, S. R. (1991)([45]):
وهى دراسة بعنوان: "المدارس الفنية ودور الجمال فى التربية"، والافتراض الأساسى لهذه الدراسة أنَّ التربية تنجح حين تصبح ممارسة جمالية، وفى ضوء ذلك فإنَّ التعليم الفنى يحدث مفهوماً خصباً ومناسباً للتعليم.                                                                                      
 وهناك حاجة ملحة لإعادة صياغة طرق وأهداف التربية الجمالية، وقد اتخذت هذه الدراسة شكلاً فلسفياً هدفه توضيح مفهوم علم الجمال، حيث إنَّ عدم وضوح المفهوم يؤثر بدرجة كبيرة على الطريقة التى يطبق بها، وانتهت هذه الدراسة بتصور لإعادة بناء تربية جمالية معاصرة تستخدم العمل الفنى للارتقاء بالقدرة الجمالية الكامنة.                                        
 (4) دراسة Simpson, B. (1994)([46]):
وهى بعنوان: "التربية الجمالية والتعليم متعدد الثقافات"، واستهدفت هذه الدراسة وصف التشابهات بين مفهومى التربية الجمالية والتعليم متعدد الثقافات، وبحث ملاحظات واتجاهات وأنشطة المعلمين ومعلمى الفن والمديرين الذين يربطون الطلاب بالخبرات الجمالية والفنية فى المدرسة، وتركز الدراسة على أربعة أسئلة بحثية هى: 
- اتجاهات المعلمين نحو التربية الجمالية والذين يربطون التربية الجمالية بالتعليم متعدد الثقافات؟.                                                              
 - ما الأنشطة التعليمية والمواد التى تؤيد البرنامج الذى يصفه المعلمون نحو التربية الجمالية؟                                                                  
 - ما التشابهات بين التربية الجمالية والتعليم متعدد الثقافات كما ثبت فى المدارس؟.                                                                               
- كيف يصف المسئولون عن التعليم دورهم فى تسهيل برنامج للتربية الجمالية والتعليم متعدد الثقافات؟.                                                        
 وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: أنَّ هناك علاقة متشابكة بين التربية الجمالية والفن والثقافة، وأنَّ الفن والتربية الجمالية يعكسان القيم الثقافية.                                                                                        
(5) دراسة Lim, B. (2002)([47]):
بعنوان: "التربية الجمالية للأطفال الصغار فى الثلاث سنوات الأولى من مرحلة الطفولة المبكرة"، واستهدفت هذه الدراسة إلقاء الضوء على الطرق المختلفة للتربية الجمالية للأطفال الصغار فى الطفولة المبكرة والتى غالباً ما يهمل فيها التعليم، واختارت هذه الدراسة ثلاث مدارس للطفولة المبكرة وفحصت إدراك المعلمين للتربية الجمالية وطرقهم فى تطبيقها فى الفصول الدراسية.                                                                      
وتوصلت الدراسة إلى أنَّ المعلمين فى كل مدرسة لديهم تنوع فى إدراك التربية الجمالية والخبرة الجمالية يؤدى إلى تطبيق مختلف للتربية الجمالية قائم على التخيلات المختلفة لدى المعلمين عن الطفل وأهداف التربية الجمالية، كما توصلت إلى طريقة متسعة للتربية الجمالية تغطى مساحات واسعة تشمل الفنون المرئية والحركات الموسيقية والقصيدة والمسرحية وصور متنوعة من المحتويات الطبيعية والاجتماعية.                                
  (6) دراسة Choi, H. (2001)([48]):
بعنوان: "نظرية هارى باراودى فى التربية الجمالية كتربية عامة"، وهدفت هذه الدراسة إلى تفحص تبريرات "هارى بارودى" للتربية الجمالية كجزء من التعليم العام، وكذلك تتعرض هذه الدراسة لتوضيح آراء باراودى حول مفهوم التربية الجمالية الذى يضع الإدراك الجمالى كأصل مع الفن لتنمية مهارات الإدراك ودراسة للمثل والقيم.                            
 وتوصلت الدراسة إلى أنَّ التربية الجمالية تهتم بتطوير المشاعر والقيم عن طريق غرسها فى نفوس الأفراد، وأنَّ التعليم الفنى ليس مجرد تعليم ترفيهى بل تعليم مهم لتوضيح الحقائق والقيم؛ كما أنَّ التربية الجمالية تلعب دوراً مهماً فى تزويد الأفراد بالقيم والنماذج المطلوبة.                           
(7) دراسة Eccles, T. (2005)([49]):
بعنوان: "البحث عن الجمال: دعوة للتربية لتأسيس حاجات التربية الجمالية فى فصولنا"، وهدفت هذه الدراسة إلى توضيح معنى الجمال والفنون الجمالية وإظهار سبب أهميتهم من خلال إلقاء الضوء على ما كتبه بعض العلماء أمثال (Kant) فيما يتعلق بالمسائل الجمالية، وهدفت أيضاً إلى بناء حالة تؤدى إلى المزيد من التربية الجمالية فى النظام المدرسى، وأنْ تصبح مرشداً لتحقيق التربية الجمالية عبر المناهج الدراسية، وتوضيح بعض الاستراتيجيات التى تساعد المعلمين على الوصول إلى أفكار جمالية متكاملة داخل الفصول من أجل التدريس الفعَّال، ومن أجل زيادة وتسهيل عملية الذكاء الجمالى لدى الطلاب.                                                   
 وتوصلت الدراسة إلى أنَّه فى العقود الحديثة أهملت المسائل الجمالية، وقللت المدارس من الدعم المادى ومن الأوقات الدراسية المخصصة للجمال والفنون، كما أنَّها توصلت إلى أنَّه لا يزال الجمال مهماً بصورة حيوية بالنسبة للفرد والمجتمع.                                                              
(8) دراسة Yafi, C. (2006)([50]):
بعنوان: "الجماليات فى المدارس الموسيقية العليا وفلسفة تعليم الموسيقى"، وتستهدف البحث عن إمكانية تقديم مجموعة دروس فى علم الجمال فى المدارس الموسيقية العليا للطلاب أصحاب الأداء المتميز، كما أنها تهدف إلى تقديم بحثاً عن دور التربية الجمالية عند تدريب المدرسين والموسيقيين فى المستقبل، وتبحث أيضاً المشاكل والعقبات التى يشتمل عليها هذا المجال من الدراسة فى المدارس الموسيقية مع الاعتراف بالمؤثرات القوية للنظريات النفعية والوضعية التى تتسلل للمؤسسات التربوية.                                                                                 
 وتستهدف هذه الدراسة أيضاً دفع المزيد من الانتباه إلى القضايا الجمالية فى عالم الموسيقى الراقى والبحث عن معنى للموسيقى ودور الفن فى المجتمع، والكشف عن مترادفات فى التربية الجمالية. وتختلف هذه الدراسة عن الدراسة الحالية فى كونها دراسة نوعية وتحليلية فى طريقتها، ومبنية على الكشف والتحليل لكل من الملاحظات المتعلقة بها، وهى دراسة فلسفية نظرية فى جوهرها.                                                            

(9) دراسة Warburton, C., (2007([51]):
بعنوان: "التربية الجمالية علم وفن: نموذج لمعلمى المدارس الثانوية"، وتهدف إلى إبداع منهج دراسى تعليمى جمالى فى مستوى المدرسة الثانوية؛ وتوضيح أهمية تعليم هذا المنهج الدراسى (الخاص بالتربية الجمالية) والذى يلهم ويحفز ويبعث على التحدى ويوقظ المشاعر. وأثبتت الدراسة أنَّ مثل هذا المنهج يشجع الطلاب على كيفية التفكير ويعطيهم الفرصة لكى يكونوا محبين ومبتكرين ومقدرين للجمال والطبيعة فى عالمهم وهى الأشياء التى تميزهم كبشر، وتوصلت الدراسة إلى أنَّ هناك اتفاقاً على أهمية الحاجة للتربية الجمالية، ولكنها للأسف تعتبر هامشية فى المنهج الدراسى ولم تنلْ الأهمية التى تستحقها.      
(10) دراسة Wande Winldt, G. (2008)([52]):
بعنوان: "الفن والتربية الجمالية: فلسفة رسام"، وتستهدف هذه الدراسة بيان العلاقة بين الابتكار الفنى المنتظم والتعبير الذاتى وبين مفهوم التربية الجمالية. وتوصلت هذه الدراسة إلى نتائج عديدة، منها
أنَّ الابتكار الفنى المنتظم والتعبير فى الفصل الدراسى يطوران مفهوم التربية الجمالية.أنَّ تشكيل واستحسان الشكل الجمالى يزود الطلاب بلغة مرئية للتعبير عن شخصياتهم.  أنَّ الحكم الجمالى والعقلية البشرية يتطلبان قوة التصور لتحقيق وحدة انسجام بين البديهية الحسية والعقل.  يتطلب تطوير مفهوم التربية الجمالية عيناً ثاقبة وبهذا يصبح فن التربية الجمالية جزءاً مهماً فى المنهج الدراسى المعاصر.   وهكذا تكمن أهمية استعراض الدراسات السابقة ذات الصلة –المباشرة أو غير المباشرة- بموضوع الدراسة الحالية في الإفادة منها بالقدر المناسب في تعميق الدراسة الحالية، وعدم تكرار ما تناولته الدراسات السابقة       ومن خلال الملاحظات السابقة يظهر وجه الاختلاف بين الدراسة الحالية والدراسات السابقة من حيث التركيز من جانب الدراسة الحالية على توضيح الأبعاد المختلفة للتربية الجمالية وأهم مجالاتها، ثم توضيح واقع التربية الجمالية في المجتمع المصري ووضع استراتيجية علمية للنهوض بهذا الجانب الحيوي والمهم من جوانب التربية.                                                                      



0 التعليقات:

إرسال تعليق