اختر لون الخلفية المفضلة لديك

الفراغ في الصورة الفنية
الزيارات:

Lesarts7 | 9/15/2013 01:25:00 ص |

الفراغ في الصورة الفنية

بعد تبلور الحداثة في أشكالها الجديدة منذ نهاية القرن التاسع عشر مرورا بما بعد الحداثة، تغيرت الرؤية في بناء الشكل وأضحت أكثر عمقا، مما أكد خصوصيته الفنان وحساسيته الذاتية التي عرفت بما يسمى الأسلوب، أو الشخصية الفنية، وساهمت المدارس الفنية في ذلك الكشف البصري الذي تجلى في مختلف الأجناس الإبداعية
الفراغ هو ما يحيط العناصر والحجوم في العمل الفني والذي يوحي بالعمق / البعد الثالث / ويأخذ الفراغ شكله ومساحته حسب موقع عين الناظر وبالتالي يتبع آليات العمل في المنظور ومن خلال ذلك تبنى الحجوم في الفراغ للوصول إلى تصميم فني، يؤخذ فيه بأهمية الظل والنور واللون كعناصر رئيسية في بناء العمل الفني، وقد انشغل الفنان في مسألة الضوء واللون بهدف استنطاق أكثر للكائنات والعناصر، بهذا السياق كان رامبرانت مبشرا ومؤثرا في الفن عندما منح عمله درجات ضوئية متباينة بين الظل والنور متخليا عن الشكل التقليدي للنور وهو بذلك غاص أكثر في العالم الداخلي لشخوصه، إن استخدام المصور عموما للضوء سواء في الرسم أم السينما له علاقة بموقع المصدر الضوئي بالنسبة للحجم الذي يعطي شكل الفراغ ويعطي تأثيراته النفسية من خلال التباينات المتدرجة أوالمتناقضة مابين الظل أو النور، وفي نسيج تلك العلاقة يكون اللون عنصرا مكملا يأخذ موقعه أيضا من خلال التباينات والعلاقات اللونية ومن معرفة الطول الموجي للون الذي يحدد بعده أو قربه عن عين المشاهد، فقد تكون هناك بقعه حمراء بعيدة في الفراغ لكنها قريبة للعين أكثر من مساحة زرقاء قريبة في مقدمة السطح التشكيلي أو السينمائي.
الفراغ في كافة أشكاله هو مسطح من حيث الملمس وهو عمق وهمي تتوزع بناه حسب توضع الكائنات وتوزعها على السطح التصويري الأمر الذي يمكن فيه منح العمل الفني دلالات وأبعادا مختلفة وإحساسات حسب طبيعة الجنس الإبداعي 0 فيشكل الفراغ في النحت محيطا كاملا وليس إيحائيا يتجاور فيه مع سطح الكتلة ويتحاور معها،وعموما للفضاء تجليات عديدة خاصة في حالة التأمل والإحساس العميق تجاه الشكل، هذا التأمل نعيشه في حياتنا اليومية ونتواصل معه عندما نكون مثلا في حافلة وتمر أمام عينيك القرى والبيوت والأشجار، الغيوم، أو تجلس على شاطئ البحر متأملا الغروب أو ربما تكون في الحي أو في منزلك...
هناك نوع من العمل والتفاعل مع الشكل البصري المتوضع في الفضاء، تتعمق العلاقة معه في مستوى التواصل العميق وتصبح صورة الفراغ والشكل ميتافيزيقية إن صح التعبير ويصبح هناك نوع من التماهي حيث يغيب التمييز بين الشكل والفراغ ويغيب الزمن أيضا، الفراغ يقدم نفسه هنا كصورة نمتزج معها ونكون نحن مرتكزا، الجسد وأمامه الفضاء الذي يمكن أن يكون في مختلف الاتجاهات، صور الفراغ متعددة، قد يكون فوق أو تحت ، وقد يكون مغلقا في قلعة أثرية أو مغارة وقد يكون مفتوحا أو مستلقيا على الجبل وربما يقفز بين الأشجار، في المعالجة اللونية قد يكون ثقيلا أوخفيفا، حادا مرات أخرى..
إن الاشتغال على الفراغ في العمل الفني ذو أهمية سواء في التصوير أو النحت، المسرح، السينما 0000 الخ وكل جنس إبداعي يأخذ سماته الفنية ففي النحت تأخذنا أعمال ( هنري مور) و ( جياكوميتي ) إلى علاقة مع المحيط تتجلى لدى الأخير في أن الفراغ ينحت بالجسد ليصبح متآكلا بعض الشيء، مما أضفى على أعماله نزعة وجودية بينما يكون الفراغ بالنسبة لهنري مور جزءا حيويا من المنحوته حيث تبدو وكأنها صنعت منذ آلاف السنين وعوامل الحت أثرت في تمثاله فلم يبقى سوى ثقبين للعيون وسطوح مختزلة للجسد، وفي التصوير أصبح الفراغ أكثر حيوية في فترة الحداثة وقدر ل (بول سيزان ) أن يكون علامة في العمل على هذا الجانب، فقد خلخل الفراغ من خلال خلقه لمنظور مختلف لعناصر العمل الفني .
إن الاشتغال على هذا الجانب في السينما يبدو أكثر تعقيدا لأننا أمام حدث غير ثابت و تغير في حركة الكاميرا والكائنا ت وعلاقة متبدلة للظل والنور للمشهد، وبالتالي إن كل حدث، مشهد يفترض كادره ( العناصر والفراغ والإضاءة ) يضاف إلى ذلك حركة الكاميرا التي تعدل من صور الفراغ، الذي قد يكون دلاليا للحدث، إن الكاميرا تقوم مقام عين المتلقي أحيانا الذي يرى الفراغ تبعا لإدراكه الحسي وتقوم مقام الممثل عندما ينظر من ثقب الباب أو يطل على مشهد ما أو ربما يبحث عن شيء تحت أو خلف حجم معين، إن عين الكاميرا قد تتسع لتعطيك مشهدا كليا للحدث والمكان، وقد تنتقل إلى الجزئيات والعكس صحيح، ثمة استخدامات كثيرة في السينما كفن لموضوع الفراغ والحجم، وهو يبدو هنا الأكثر أهمية من الفنون الأخرى ويحتاج لمزيد ربما من التأمل والمعرفة لدى المخرج الذي يريد فنية عالية للفيلم السينمائي

0 التعليقات:

إرسال تعليق