اختر لون الخلفية المفضلة لديك

نهاية المدرسة بقلم : الحسن اللحية
الزيارات:

Lesarts7 | 10/30/2013 05:54:00 م |

Info Post

                                                                                                                                             
نهاية المدرسة بقلم : الحسن اللحية

يدور نقاش عالمي في السنوات الأخيرة حول مصير المدرسة، وهو نقاش لا يخفي إرادات الهيمنة والتسلط والصراعات غير المتكافئة حينما يعبر عن نفسه بمظاهرات مناهضة للعولمة تصب في إحدى وجوهها في سياق إيجاد معنى للمدرسة؛ أو بتعبير أدق كلما طرحت القضايا الاجتماعية والاقتصادية ومستقبل الشباب إلا وطرحت المدرسة للنقاش العمومي: ما هو دور المدرسة؟
إن الصراع حول معنى المدرسة يتخذ، ضمن هذا الحوار والصراع، عناوين متنوعة ومختلفة لا تخلو من إغراءات ومكر وخداع وبلاغة وجاذبية مثل السؤال الاستنكاري التالي: لماذا تصلح المدرسة اليوم؟ (1)، وهو سؤال يطرحه البعض لتقبل النزعة النفعية المتزايدة في التعليم والتربية التي تختزل في المعارف النفعية: ماذا نفعل بهذه المعارف التي تقدمها المدرسة؟ لماذا ندرس أفلاطون وأرسطو؟ لماذا ندرس التاريخ كتاريخ للماضي؟...، وهناك عناوين أخرى أكثر جاذبية من تلك التي تظهر علامات المكر مثل التعلم في مجتمع المعرفة (2). وشعارات أخرى توقعية تستند إلى مقررات المنظمات العالمية واللوبيات الاقتصادية مثل التربية في القرن XXI أو مدرسة الغد أو التعليم للجميع أو سبل مدرسة المستقبل ... كما ترفعها المنظمات الدولية (3)، ومنها OCDE على وجه الخصوص التي أصدرت عدة تقارير واضحة ومباشرة مثل التقرير المعنون بالتكنولوجيات الجديدة في المدرسة وتعلم التغيير وغيرها من المؤلفات...
إن المتأمل والمتتبع لهذه الدعوات- والأوامر أحيانا- سيجدها تراهم على تنمية أشكال جديدة للتعليم تطال طرق التدريس والتكوين والمضامين والتقويم ومضاعفة التعليم الممنوح على الإنترنت حتى ترتبط المدرسة بواقعها الخارجي. ولم تغفل OCDE وضع سيناريوهات، حددتها في ست سيناريوهات، للمرور إلى مدرسة الغد، للمرور إلى مدرسة تنمي الكفايات الأساسية (علما أن مفهوم الكفايات الأساسية أصبح رائجا في مقررات اللجنة الأوربية وتقرير المجلس الأعلى للمملكة المغربية...) من أجل استعمال التكنولوجيات الجديدة؛ أو بتعبير آخر إن التحكم فيما هو رقمي سيسهل الولوج للتعلم مدى الحياة، وعاملا للإدماج الاجتماعي والاقتصادي.

إذن، رغم هذا المجاز وتلك الاستعارة البراقة التي تأخذها العناوين الجديدة للإصلاح تظل هذه العناوين مليئة بهذيان النفعية ولغة الاقتصاد مثل المردودية والنجاعة والإنتاجية وقيم السوق وثقافة المقاولة.
إن النقاش الدائر حول مصير المدرسة ومعناها وجدواها ووظيفنها ودورها المستقبلي تختزله ثلاث أطروحات رئيسية ومركزية، على الأقل بالنسبة لنا نحن في الجنوب، سنجملها في الآتي:
أولا: مدرسة البطل أو الزعيم أو الشيخ
جد هذه المدرسة صورتها الواضحة والقوية في الزاوية والكنيسة. وهي في منظور البيداغوجيين تقوم على التلقين والشحن ورد القول والتكرار والاستنساخ والحفظ والحضور الغائب للتلميذ. ومن وجهة نظر فلسفية تقوم على الاستمراريات المميتة المؤبدة والتأبيدية، وعلى تاريخ القمم والرموز والشخصيات كنقط إشعاع لا يستقيم بدونها الحديث عن التاريخ العام وعن التواريخ المقموعة والهامشية وعن مذاهب الأخرى إلا بالسلب لأنها مدرسة الحقيقة. لا تمكن هذه المدرسة المتعلم من الوقوف على الاختلافات والتباينات و الصراعات والدسائس والخيانات والتسلط والعنف والاستبداد والمكر الذي عرفه التاريخ. ولا النظر في فلتات اللسان وزلات الأقلام لتكسير رقاباتها ومركزيتها لأنها لا تتوانى ولا تتكاسل ولا تترك المجال لظهور القراء؛ الطلبة النقاد والتلاميذ العاقين. ولا تسمح بتدفق الخطابات حولها لكثرة ما تتكرر وتكرر ذاتها. وإن سمحت بشئ من ذلك سيكون هو شرح خطاب الشيخ أو الزعيم، الخطاب الأول و تلاوته واستظهاره دون فهم إلى أن يحضر الشيخ ليشرحه في النهاية، بل ليقدم الشرح النهائي. هكذا فهي تسمح بتناسخ الخطابات الممجدة والمعظمة لذات الشيخ وتناسلها وتكاثرها وتدفقها، وحيث المقاصد الخفية والمعلنة لهذا الخطاب الممركز تبتغي جعل التاريخ صفحة مليئة بالسعادة أو تاريخا بدون أخطاء لا في الماضي ولا في الحاضر أو هو التاريخ الممكن والواقعي والمتخيل والمعيش. إنه تاريخ يعكس إرادة لا تخطئ، إرادة غير بشرية تجد مدلولها في التراث القروسطي الذي يجعل من الحاكم ظل الله على الأرض ومن الشيخ صاحب البركات الوارث للسر الرباني؛ وبمعنى آخر فإن هذه المدرسة تقدم لنا تاريخا هادئا خاليا من المعارك ومعارك القراءات والاختلافات بين الجد والحفيد، بين الأب و الابن،  تاريخا مستمرا خطيا لا وجود فيه للنتوءات ولا للانكسارات والالتواءات وحتى وإن وجدت النتوءات والاعوجاجات كصراع أمراء حول السلطة، وحروب دول حول السيطرة وقسوة سلطان أو الشيخ على أبنائه وبني جلدته فإنها لحظات عابرة وطيش سرعان ما تعود لرشدها بتبني خطاب الجد الأول والأب، خطاب الشيخ الذي بلغ في العلم الإلهي أعتى الدرجات...، إنه تاريخ قمم لا يكون فيه الأحفاد إلا نسخة عن الأجداد. يرث اللاحق الأسرار عن السابق كما ترث الدولة الصاعدة أسرار الدولة المتلاشية. لا فرق هنا بين الجديد والقديم ولا مجال ليبرز الجديد كجديد حتى وإن أعلن بأن عهد التالي يختلف رسميا عن العهد السابق، لا اختلاف بين المنهزم بالسيف والمهمين الجديد بالسيف، أو لنقل لا تفرق بين الاثنين الحروب ولا الاختلافات المذهبية ولا النزوعات السايكولوجية ولا طوارئ الدهر ولا تغيرات الزمن، ولا الانفتاح على الآخر ولا معارف العصر ولا حركيات وإرادات التحديث.إننا أمام حاكم وحيد وشيخ وحيد ودولة واحدة- حسب هذا الزعم الذي يدافع عن خطية التاريخ واستمراريته- يكون الحاكم هو هو، والدولة الغالبة الجديدة والمغلوبة المقهورة المضمحلة هي هي؛ إذ لا تاريخ إلا لتاريخ الواحد، التاريخ الواحد، ولا لحاكم إلا الحاكم الواحد والشيخ الواحد، ولا لصوت إلا الصوت الواحد، ولا لمعرفة إلا معرفة الواحد ولا لعلم إلا العلم الإلهي الواحد ولا لحقيقة إلا حقيقة واحدة يمتلكها من يحدث الناس من أعلى المنبر وإن وجدت أصوات أخرى فإنما تكون ملعونة أو صدى لصوته الواحد والوحيد لأنه الحاكم الملهم والشيخ الملهم صاحب البركات، والزعيم صاحب الدرجات والمعجزات والأسرار الربانية. وتاريخه هو تاريخ الشعب، تاريخ المريدين، تاريخ أتباع وأشياع، تاريخ الزعيم هو تاريخ الحزب، وتاريخ شيخ الزاوية هو تاريخ الزاوية....، تاريخ أمجاد بدون هزائم، وتاريخ انتصارات بدون انتكاسات، وتاريخ رقي وتقدم بدون مجاعات وأمراض وأوبئة ودسائس وخيانات، تاريخ الحقيقة الصامدة في وجه زيف المذاهب الأخرى والحق الباقي رغم امتحانات الدهر، لكن هذه المدرسة في واقع الحال لا تعلم إلا الخضوع المطلق وانمحاء الذات والجسد والأهواء والرغبات وقتل العقل.

ثانيا: المدرسة الوطنية ومدرسة الحداثة

سننطلق من مسلمة بالنسبة لنا تقوم على الجمع بين الحداثة السياسية والوطنية، لذلك نرى أنه من المفيد أن نذكر بأن مفهوم National, Nationalisme يروم اللم والجمع وقمع الاختلاف والتعدديات، وهو في الحالة المغربية  تمتد جذوره تاريخيا إلى المشرق العربي: القومية العربية، وفلسفيا يجد نموذجه في دولة العرق والدين أينما وجدت تاريخيا، وفي حالة المغرب ظلت  الحركة الوطنية العتيقة تمجد العروبة ( القومية العربية، الدفاع عن اللغة العربية...) من دون التفكير في شروط ميلاد المواطنة ودولة المواطنين والمدرسة الوطنية أو في غياب تجديد السؤال الأهم: هل هذه الدولة المستقلة حديثا هي التي كان المغاربة يحاربون فرنسا من أجلها؟ هل المدرسة الناشئة تستجيب لعموم المواطنين باختلاف هوياتهم وثقافاتهم؟.

تلتقي الحركة الوطنية والنظام السياسي منذ 1956 في الدفاع عن مفهوم الأمة (الواحدة الموحدة) مما ترتب عنه وجود ازدواجيات وثنائيات وفصامات: تقليد/ حداثة، برلمان/بيعة، أحزاب/ ملك يحكم، لغة رسمية ( العربية)/ اللغة الفعلية للإدارة (الفرنسية)، إرادة التحديث( إدارة عصرية، برلمان، جامعات...)/ إرادة التقليد الأعمى للأسلاف ( الشورى، مؤسسات الزوايا، البيعة...)، لغة القانون/ لغة التعليمات، النزوع نحو التحديث /تمجيد التقليد، المواطنة/ الفكر الرعويمدرس/فقيه، مدرسة عصرية/مدرسة تقليدية...

نستخلص مما تقدم أن نخب الحركة الوطنية لم تكن قادرة على تمثل الحداثة السياسية، وهذا ما يلاحظ اليوم بعد مرور نصف قرن، لتصبح هذه الحداثة رهان وجود فردي و جماعي وسياسي وتاريخي لأن الكثير من الفاعلين كما نعثر على ذلك في المتون المتخصصة في الانتربولوجيا السياسية استفادوا من الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والتجارية منذ فترات بعيدة و دخلوا في علاقات فيما بينهم فكونوا بعد الاستقلال لوبيات وأقليات استراتيجية داخل الإدارة والأبناك والتجارة والملاحة والمعادن والفلاحات التصديرية وفي الاقتصاد والتعليم... وبالتالي لم يعد التساؤل عن الدولة الوطنية وعن المدرسة الوطنية يهمهم طرحه ولا مناقشته. فبالقدر الذي يدافعون فيه عن المدرسة الوطنية العمومية يدرسون أبناءهم في مدارس البعثات الأجنبية أو المدارس الخاصة. وبالقدر الذي يدافعون فيه عن اللغة العربية يحوز ذويهم على الدبلومات في اللغات الأجنبية و شواهد التسيير والتدبير من الخارج.

ولكي يكون لحوارنا مع أطروحات الحركة الوطنية الكلاسيكية العتيقة معنى وجب توضيح ما المقصود بالدولة الوطنية الذي لا تستقيم معرفتها إلا بالقطع مع مفهوم الأمة من جهة أولى لما يتضمنه من مفاهيم تقليدية تحيل على العرق واللغة العربية والدين والراعي والرعية والإيمان كمحددات للدولة. ثم الانتقال إلى مرحلة ثانية نستلهم فيها الحداثة السياسية التي نشأ فيها النقاش حول الدولة الوطنية، ونعني بالتحديد العقلانية الأنوارية والليبرالية الكلاسيكية على اعتبار أنه يستحيل في نظرنا الحديث عن الوطنية دون استحضار الحداثة السياسية وتلك هي الملامح الكبرى للمدرسة الوطنية: مدرسة الحداثة والعقلانية والوطنية.

  الدولة الوطنية: المحددات العامة

أولا:  تنتقد فلسفات الحداثة السياسية الإرث السياسي الذي يماثل بين الحاكم والأب: الحاكم كأب للجميع والجميع كأسرة الحاكم. فيبدو من خلال هذا التشبيه الحاكم عاقلا راشدا بينما الشعب قاصرا ورعية تشبه القطيع المرعي. ويكون العقاب في نظر الراعي تأديبا وتربية، و قسوة الأب هي الرحمة بالأبناء. يرى إيمانويل كانط أن النزعة الأبوية وكل حكومة أبوية هي الأكثر طغيانا لأنها تسلب حرية الرعايا ولا ترى فيهم إلا القصور، وهي تتناقض كل التناقض مع الحكومة الوطنية المرتبطة بالحرية.

ثانيا: تنتقد فلسفات الحداثة الثنائية الأغوسطينية القائلة بمدينة الله ومدينة الشيطان، مدينة الدنيا ومدينة الدين. والملاحظ أن هذه الثنائية قائمة على مفهوم دنيوي للوطن وآخر روحي. يحيل مفهوم الوطن الروحي على الحاكم بأمر الله أو باسم الله أو الحاكم الذي يعكس ظل الله على الأرض،  الذي قد يكون قديسا أو راهبا أو أمير المؤمنين أو أسقفا أوبابا الكنيسة... وباختصار هو الحاكم الذي يجمع السلط الروحية والدنيوية بين يديه. فيمتلك من جراء ذلك حق تأويل النص الديني، وحق الفتوى، وحق فرض تأويله الديني على الغير بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك.

ثالثا:  تنتقد فلسفات الحداثة السياسية كذلك مفهوم السلطة الرعوية لما تدل عليه من علامات التقليدانية القروسطية، بحيث أن السلطة الرعوية تضع الحاكم مهما كان ملكا أو سلطانا أو إمبراطورا وأسقفا في مقابل الشعب، وبمعنى آخر راع أمام قطيع. وحينما رام مشيل فوكو تحليل عقلانية السلطة الرعوية استنتج أن السلطة الكنسية من حيث هي سلطة رعوية تضحي بالعرش إلى جانب الرعية، لإنقاذ الرعية، بينما في الرعوية الملكية يضحي الملك بالشعب من أجل العرش.

إن ما نعنيه هنا بالوطن يتجاوز المعنى اللاهوتي الذي لا يضمن الحق في العيش المشترك للجميع في أرض الأجداد إن اختلفت اللغات والقوميات والمذاهب ( ولنا في تاريخ الذميين خير مثال على ذلك). وما يتميز به مفهوم الوطن نجد مايلي:

1- إن فكرة الوطن فكرة تأسيسية تستوجب الإصلاح واستعجالية البناء.
2- إن فكرة الوطن تقوم على المنشأ والمولد إن غابت محددات أخرى.
3- إن فكرة الوطن مرتبطة بالحرية الفردية والجماعية للأفراد: الحرية السياسية والدينية والثقافية...
4- إن فكرة الوطن ترتبط بالدفاع عن حرية الوطن مجالياوإنقاذه من الاستبداد الداخلي والخارجي وتحريره من الغزاة.
5- تبدو فكرة الوطن كقيمة مطلقة تعمل كأساس لجميع القيم الأخلاقية والسياسية، لذلك ترتبط الوطنية بالصالح العالم والحرية السياسية وتجاوز الفردي، أي تجاوز المصالح الذاتية الخاصة، ومحاربة الفساد والتقوقع العرقي واللغوي والإثني والطبقي.
6- لا يمكن تصور الفرد-المواطن خارج الوطن في منظور هذا التصور الذي ننطلق منه لأن الوطن هو القيمة الدنيا التي بدونها لا يمكن تصور أي مقياس للعيش المشترك.

 المواطن: ميلاد دولة المؤسسات

 انطلقت الفلسفة السياسية الأنوارية الحداثية من ثنائية جديدة، على عكس الثنائيات اللاهوتية والأوغسطينية، تتمثل في الطبيعة والمجتمع (حالة الطبيعة وحالة المجتمع). بإمكاننا فتح هذه الثنائية الجديدة على آفاق فكرية أخرى كالفرد والمجتمع، والمواطن والدولة، والطبيعة والثقافة وغيرها من الثنائيات التي لم يعهدها فكر القرون الوسطى.

تتمثل في نظرنا هذه القطيعة في إرادة تأسيس منظورات جديدة للفرد-المواطن وللمجتمع والدولة، لكن هذا التصور من حيث أنه تصور تأسيسي ينطلق من أسبقية الطبيعة أو بمعنى أدق من أسبقية القوانين الطبيعية على جميع القوانين الأخرى. فللطبيعة قوانينها التي تسير عليها وللإنسان قوانين طبيعية أولية وأولى وجب أن تصبح حقوقا طبيعية في المجتمع.

إن أهمية هذه القطيعة تتمثل بالأساس في المساواة الطبيعية التي تتنكر للعرق النبيل أو الوضيع، وللانتماء الطبقي أو الثقافي أو الديني أو المستوى الاقتصادي...إن الفرد يخرج من الطبيعة مثل غيره من الناس حيثما كانوا ووجدوا ولا تهمنا هنا الرؤية الخيرة أو الشريرة لطبيعته لأن ما يهمنا هو خروجه لأول مرة من الطبيعة وهولا يخضع لأي سلطان ولا قوة واستبداد غير قوانين الطبيعة.إنه فرد حر مستقل لا يخضع لأي إرادة كانت دنيوية أو متعالية، له القدرة الخاصة ليمنح معنى للأشياء من حيث أنه كائن مفكر (ديكارت)مؤسس للمعاني والمعارف والقيم....

هكذا تكون العقلانية الأنوارية قطعت مع الأسس المسيحية واللاهوتية، بحيث لن يعود التاريخ كتجل ( كقصص عبرة واعتبار من أجل الإيمان...)، وإنما كفعل خاص بالإنسان. ولم تعد الطبيعة كسيادة للخطيئة والفراغ ولكنها صارت كمرآة للإنسان والإله. والحرية لم تعد خضوعا للإله وإنما صارت تعبيرا حرا اعتباطيا.إنها ثورة جديدة وعميقة صار فيها الهم كل الهم الانهماك في البحث عن الذات وتأكيد الإرادة الذاتية وتأسيس كل ما سيتأسس عليهما بشرط أن تكون الحرية مضمونة فرديا وجماعيا إن لم تكن هي الأساس.

لا ينبغي تصور الحرية كفوضى عارمة لأن روسو ينبهنا إلى أن وجود الحرية مرتبط بالقوانين لأنه في حالة الطبيعة ذاتها لا يكون الفرد حرا إلا وهو يخضع لقوانين الطبيعة، والشعب كذلك لا يكون حرا إلا حينما يخضع لرؤساء وليس لأسياد أو أشراف ذوي السلالات النبيلة بينما غيرهم من السلالات الوضيعة.

وعلى العموم فإن الحقوق الطبيعية للفرد ستتحول في مسار الفكر الغربي إلى حقوق سياسية وهو ماسيعرف بالليبرالية السياسية التي وجب تمييزها عن الليبرالية الاقتصادية التي تتأسس على الحقوق الاقتصادية ( حق التصرف بحرية في قوة العمل على عكس العبد الذي لا يمتلك حرية التحكم في قوة عمله) و منتوج العمل ( شرعية الملكية الفردية) وحق التبادل الحر ومباشرة كل ما يبرر اقتصاد السوق وإن كان ذلك لا يلغي تدخل الدولة.

يمكننا تلخيص المبادئ العامة لليبرالية الكلاسيكية فيما يلي:

1- الليبرالية هي عبادة الحرية الفردية (ينظر إلى الفرد مفصولا عن التحديدات العرقية والقبلية  والطبقية والإثنية....) و الحرية الفردية هي قيمة القيم أو القيمة العليا.
2- الليبرالية ثقافة مضادة لثقافات الأسلاف والأجداد والموروث، أي أنها ثقافة الجدة والجديد والبداية والتأسيس والمغامرة المفتوحة والاحتمال والتقدم والإيمان بالمستقبل...( حالة الليبراليين الأمريكيين الذين رفضوا التقاليد والخضوع للتاج البريطاني...).
3- الدولة الليبرالية هي حارس الحريات الفردية والضامنة للحقوق.
4- الليبرالية هي اقتصاد السوق منذ الفيزيوقراطيين: دعه يفعل، والمنافسة.
5- تفترض المنافسة وجود تعددية لتكسير الاحتكارات والمونوبولات والكارتيلات لأن جوهر الليبرالية لا يستقيم والاحتكار.
6- وجوب وجود سوق اصطناعية تستجيب لرهانات متعددة تفرضها الدولة للاستمرار في المنافسة كمنطلق وغاية.

 يعبر عن الثورة الليبرالية في مجملها، في الفلسفة السياسية، بالحداثة وهي تعني حسب آلان تورين، أحد نقاد الحداثة الغربية، مايلي.

1- يستحيل إطلاق كلمة حداثة على مجتمع يسعى للانتظام طبقا للوحي الإلهي أو ماهية قومية؛ إذ يفترض التحديث تحطيم العلاقات الاجتماعية والمشاعر والعادات والاعتقادات التقليدية وفسح المجال لمغامرات العقل: ستكون المدرسة طليعة المؤسسات المناضلة من أجل التغيير.
2- ليست الحداثة تتابع أحداث لأنها انتشار لمنتجات النشاط العقلي كالعلم والتكنولوجيا والتدبير والتسيير والتمايز بين الحقول والمجالات والتخصصات...
3- يحل فكر الحداثة العلم محل الله: المدرسة تعلم أخلاق العلماء والمبدعين لا أخلاق الفقهاء والشيوخ والرهبان، وتعلم العلم والنقد والاحتمال والنسبية والتسامح لا الإيمان والوثوقية والتعصب ونبذ الغير.
4- يحتل الدين في مجتمع الحداثة مجالا خاصا: الدين دين الأفراد لا دين الدولة: المدرسة لجميع المواطنين احتراما للأقليات لا طغيان الطوائف.
5- ارتباط الحداثة بالعقلنة: المجتمع العقلاني لا غاية آخروية له؛ إذ هناك إرادة لتنظيم الحياة الفردية والجماعية وفق مقررات العقل العلمي والنشاط العقلي...
6- ليس الفاعل في الحداثة طبقة أو فئة أو شريحة وإنما الفاعل هو العقل والضرورات التاريخية التي مهدت لانتصاراته، والعقلانية هي الآلية التلقائية في التحديث.
7- إن أهداف سياسات التحديث هي إخلاء المجال للعقل.
8- إن التعليم في المنظور الحداثي يحرر الفرد من الرؤى الضيقة واللاعقلية التي تفرضها السلط التقليدية كالأسرة والقبيلة والطائفة والمذهب والانفعالات الخاصة...ويفتح أمامه مجال المعرفة العقلية والاشتراك في مجتمع ينظم نشاط العقل. وبمعنى آخر ينبغي أن تكون المدرسة مجالا لإحداث القطائع مع وسط النشأة والانفتاح على التقدم بواسطة المعرفة والمشاركة في مجتمع قائم على مبادئ عقلية. وأما المدرس لا يتدخل في الحياة الخاصة للتلاميذ ودوره هو الوساطة بين القيم الكونية للحق والخير والجمال. وأخيرا تعمل المدرسة على تكوين نخب بديلة لنخب الأرستقراطيات والطبقات المحافظة والرجعية والإكليروس والزوايا...

9- يتحدد الإنسان في فكر الحداثة كفاعل اجتماعي: الإنسان هو ما يفعله؛ لذلك لا ينبغي أن يبحث عن ماهيته في العوالم الماورائية: المدرسة تعمل على بناء الذات.
10- تنطلق الحداثة من فكرة المواطنة قبل أي تحديد آخر (البشر، الإنسان..)، وهو ما يعني أن ميلاد المواطن مرتبط بتأسيس سلطة ودولة جديدتين للمواطن والمواطنة.
11- تكافح الحداثة بإرادة جماعية ضد اللاتكافؤ واللامساواة...
12- الحداثة هي الخروج من الخصوصيات والدخول في الكونية، والخروج من حالة الطبيعة والدخول في سن الرشد...
13- الحداثة فكر لا يمتثل للنماذج لأنها ثقافة للتحرر.
14- الحداثة هي تعرف الإنسان على الطبيعة في نفسه بدل من أن يكون هو في الطبيعة.
15- تتحقق الذات الفردية في تناقض مع خضوع الفرد لقيم تتجاوزه. ففي الحداثة تصبح الحرية أساس القيم عند الإنسان والتي تعبر عن نفسها إبداعيا حتى لا تتعارض والأشكال المتعددة للتبعية.
16- الحداثة هي انتصار أخلاق المسؤولية ضد أخلاق الاعتقاد(4).

نستنتج بعجالة أن المدرسة الوطنية مرتبطة أيما ارتباط بالوطنية والوطن والمواطنة بما تقضيه كل هذه المفاهيم من تحديدات أشرنا إلى بعض منها.

ثالثا: مدرسة المقاولة

أشرنا إلى وجود صراعات ونقاشات حول المدرسة وفي المدرسة اليوم، وهي علامات على وجود أزمات كأزمة التنشئة الاجتماعية التي كانت تقوم بها المدرسة والتي تحولت إلى إيديولوجيا التكوين مدى الحياة، وأزمة الغاية من وجود المدرسة التي دفعت بكثير من الدول إلى ولوج إصلاحات متتالية للتربية والتعليم والتكوين وإدخال إصلاحات في قطاعات أخرى مما يعنى أن الدولة ذاتها تعاني أزمة وجود. فالإصلاحات التي تباشرها الدولة تقوم بها بكثير من الألم وكثير من الكوارث كذلك لأنها لا تتحكم في مصائر ما تقوم به لأن تقوم به يتجاوزها ويحمل بذور قتلها كدولة (وطنية) إقليمية لصالح دولة الشبكةEtat-réseau (5) التي تتوافق وظهور اقتصاديات جديدة كاقتصاد المنافذ والشكبات والاقتصاد-نت والاقتصاد الإلكتروني e-commerce وغيرها من الأنماط الاقتصادية الجديدة التي يبشر بها عصر الافتراضية والشمولية.

إن أزمة التربية والتعليم تقود إلى انحلال المؤسسة المدرسية وسط موجات كبيرة من شبكات التنشئة الاجتماعية وتكوين الأفراد. لم يعد الآباء قادرين على نقل قيم ما لأبنائهم شأنهم شأن المدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والدولة وكل ما هنالك أن إيديولوجيا تعلم التعلم وتدبير المعرفة والتعلم من المهد إلى اللحد صارت علامة على عصر جديد على الرغم من أن المدرسين مازال تفكيرهم محدودا بالإطار الاجتماعي القديم للتأهيل والدبلوم والشهادة.

 لا يمكننا فهم ما يحدث في المدرسة وللمدرسة بمعزل عما يحدث في الاقتصاد؛ أو بالأحرى لا يمكننا فهم لماذا آلت المدرسة إلى مقاولة أو لماذا تستلهم المدرسة المقاولة إذا لم نتعرض للتحولات التي عرفها الاقتصاد السياسي بالتحديد(6). ولا بد من الإشارة أن تلك التحولات التي عرفها الاقتصاد تطال التسيير والتدبير وتنظيم العمل (7)، مما يعني أن تنظيم العمل ليس قضية علمية بالضرورة ولا قضية محايدة ولا ظاهرة عادية وبريئة. فالنماذج التنظيمية التي تغزو المدرسة هي قضية هيمنة ولعبة قوى وإرادات، وقضية اقتصادية بالأساس تخضع للمقاييس الاقتصادية وتنضوي تحت مفاهيم المردودية والنجاعة والمؤشرات والإنتاجية وغيرها من المفاهيم.

كان أرسطو يميز السيد عن العبد بقوله أن الفارق بين الإنسان الحر والعبد يعود للطبيعة. فالعبد متاع كباقي الأمتعة الأخرى يكون في ملكية الغير، في ملكية الحر، السيد. تميزه الطبيعة عن الحر السيد بالعضلات القوية والقدرة على العمل، بينما يتميز السيد بالقدرة على التفكير والتدبير(8).

لا تهمنا هنا هذه العنصرية الظاهرة التي تقوم على التمييز بين الأعراق، ولا ثنائية عمل/فكر، ممارسة/ تنظير، ولا حتى تصور كانط للعمل الذي جعله التزاما وواجبا أخلاقيا(9) نظرا لما في العمل من خير للإنسانية جمعاء.

صحيح أن العمل يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، إن لم يكن بالعمل تتحقق هوية الإنسان وماهيته كما يقول هيجل؛ غير أن الحيوان ينتج ما هو في حاجة إليه بشكل آلي ومباشر، وبشكل جزئي، كما يقول كارل ماركس، على عكس الإنسان الذي ينتج بشكل كلي وشمولي ولا ينتج كذلك تحت ضغط إمبراطورية الحاجة المباشرة لأنه ينتج في الوقت الذي يكون متحررا منها إن لم ينتج إلا حينما يكون حرا بالذات.والخاصية الرابعة التي تميز الإنسان عن الحيوان هي كون الحيوان لا ينتج إلا لذاته بينما يعيد الإنسان إنتاج الطبيعة كلها، وأخيرا إن الحيوان ينتج لصالح بني جنسه بينما ينتج الإنسان لجميع الأجناس.

ولكن لا ينبغي أن نغفل أن العمل ضرورة حيوية للإنسان تسمح له بالاستجابة لحاجاته الأساسية كالأكل وتأمين شروط وجوده ووسيلة لإنتاج ما يحتاج إليه، علاوة على أنه إلتزام أخلاقي واجتماعي لأن الإنسان بدون عمل يكون مطرودا من المجتمع؛ لذلك فهو وسيلة إدماج وتنشئة اجتماعية. والحق في العمل هو دفاع عن الانتماء لتنظيم اجتماعي ودفاع عن المواطنة.

يفكر الفلاسفة في العمل كشر ضروري أو كشر محتوم تمليه غايات خارجية وربما اكراهات لا يتحكم الإنسان فيها. فيبدو وكأن العمل يتعارض والحرية كما هو الحال عند أرسطو الذي رأى أن العبد عبد لأنه يعمل، العبد إنسان ناقص الإنسانية لأنه يعمل وكل من يعمل، حسب هذا التصور، فهو تابع وخاضع لا يشارك في الأنشطة السياسية والمدنية ولا يتخذ القرارات الكبرى.لكن، في مقابل ذلك، قد تنتج شروط العمل ما أسماه كارل ماركس الاستلاب. فإذا لم يختر الإنسان عمله سيصبح العمل ضغطا ويصبح الإنسان معه غريبا عن نفسه لا يتملك ذاته.غير أن الفلاسفة الواقعيين يرون أن الإنسان يحقق ذاته بالعمل ومن لا يعمل لا يحقق شيئا؛ ذلك ما يؤكده فريدمان حينما يقول بأن العمل يسمح للإنسان بالاندماج في الواقعية؛ إذ بفضله يحول الإنسان الطبيعة ويتحول هو بنفسه(10).

إن التصور المثالي للعمل هو أن يعمل الإنسان بفرح، أن يشعر بالوجود الممتلئ وهو يعمل. ورغم ذلك وجب التمييز بين فكرة العمل وقوة العمل، بين العمل والنشاط الذي يقوم به الإنسان في العمل لأن العمل كما يرى فليب زارفيان لا يوجد إلا بشكل معين. فالعمل المأجور يصير بضاعة ولا يتم الحديث عن قوة العمل إلا كتجريد. ليس الإنسان هو الذي يباع بل قوة عمله هي التي تباع.ولذلك يتطلب العمل سيرورة لحساب الجهد المحمول على النشاط المنتج (11) وحساب زمن الإنتاج.

نخلص مما تقدم أن للعمل تاريخ ولفكرة العمل في التصورات الاقتصادية والفلسفية تاريخ كذلك. فبعضهم يرى أن ما ساد قبل الفيزيوقراطيين من تصورات حول العمل لم يكن من التفكير الاقتصادي في شئ لأنه كان يدخل في باب الخدمة كخدمة العبد للسيد في الفلسفات اليونانية. وأما ظهور العمل فهو يتزامن وظهور السوق الذي يحيل على تبادل المجهود وشراء قوة العمل، وتبادل الخيرات والخدمات ووجود أثمنة وأجور وفضاءات وأمكنة محددة للعمل والبيع والشراء والمبادلات وقوانين وبضائع وأفراد ومواصلات وجماعات ودولة كتعبير عن مصالح مجموعات، بل تحضر الدولة في السوق كمكون للسوق ترعى وجوده وتنافسيته وإيديولوجية السوق لتجعل الناس يعتقدون في السوق، في قانون السوق. وهكذا صار العمل بضاعة بفضل السوق المرعي.وكلما ازدادت الفردانية يصير السوق هو الرابط بين الفرد والجماعة. وبذلك يتحول السوق إلى مجال للتنشئة الثقافية والاجتماعية.لكن ماذا لو كنا نعيش نهاية العمل؟ وهل نهاية العمل تعني بالضرورة نهاية السوق؟.

تعني نهاية العمل في سسيولوجيا الشغل نهاية التايلورية وأشكال تنظيم العمل الكلاسيكية الأخرى. وفي الاقتصاد السياسي الجديد تفكك الطبقة العاملة.ينبهنا جريمي رفكان إلى أننا نعيش نهاية العمل للأسباب التالية:

أولا: تعرف الإنسانية مع تطور التكنولوجيا أنماط جديدة من العمل وظهور قطاعات اقتصادية جديدة (الاقتصاد الجديد). ثم إن هذه التكنولوجيا تمحق العمل الإنساني وتزيل قطاعات مثل الفلاحة والخدمات التي أصبحت أوتوماتيكية.

ثانيا: ظهور أنماط جديدة للتنظيم العقلاني للعمل وللإنتاج تقود نحو الافتراضية.

ثالثا: ظهور اقتصاد جديد يعلن عن نهاية رأسمالية السوق، حيث ترك المكان الجغرافي المجال لسبير- فضاء، وتركت الأسواق مكانها للأسواق –الشبكة، وتحولت العلاقة مزود/ مستعمل إلى بائع/مشتر، وتحول الملاك إلى مكترين للمنافذ على شبكة الإنترنت.

رابعا: تحولت الاقتصاديات القديمة من فلاحة وصناعة واقتصاد الخدمات إلى مواد أولية لمرحلة اقتصادية قادمة. كما تحول الوقت إلى بضاعة تباع وتشترى.

خامسا: عوض الحصول على منفذ على شبكة الإنترنت شراء الأمتعة.

سادسا: عوضت الشبكات الالكترونية الأسواق التقليدية. ففي السبير- سوق الالكتروني يتبادل البائع والمشتري الخيرات والخدمات. والملكية في هذا الاقتصاد لا تتعدى الحصول على منفذ إما بالكراء أو الانخراط مما جعل الرأسمال الفيزيائي يتهمش يوما عن يوم لأنه أصبح موردا من بين موارد أخرى؛ وذلك ما يفسر بيع المقاولات لممتلكاتها وتخفيض الاحتياطي واللجوء إلى اكتراء التجهيزات والاقتصار على المراقبة والتتبع.

سابعا: احتلال اقتصاد التصورات وإبداعات الريادة لأن للصور والتصورات قيمة حقيقية في الاقتصاد الجديد.

ثامنا: نهاية العمل تعني نهاية التأجير الموحد ونهاية العمل كواجب.

يرى رفكان أن لنهاية العمل ولاقتصاد المنافذ نتائج عديدة منها انحدار الطبقة الوسطى، والتباين الطبقي وارتفاع عدد العاطلين عن العمل الذي يقود إلى ظهور ظواهر اجتماعية خطيرة. وأصبح الإنسان إما في العمل أوفي البطالة لأنه لا وجود لوقت الفراغ أو الوقت الحر.وأما من جهة الدلالات الفلسفية لهذا الاقتصاد الجديد يمكننا إجمالها في ظهور اقتصاد ما بعد السوق ومجئ عصر بلا عمال وبلا فلاحين متعلمين بدون مدارس ولا أساتذة ؛ إذ تحولت الفلاحة بفضل التكنولوجيا والمواد الكيماوية والأنظمة المعلوماتية لاستغلال الأراضي والاستعمال الجيني والهرموني إلى ما بعد الفلاحة العصرية. وظهرت في الوقت نفسه شاشات العمل للقضاء على العمل في المكاتب مصحوبة بنخب التجريد الجديد. ومن ناحية أخرى أصبح الاقتصاد الجديد يتماهى وسرعة الضوء وتخفيض التكاليف وتقديم الهدايا للزبائن(13).ولم يغفل المؤلف اقتراح حلول لهذه الوضعية التي كان من أهمها دعوته ليمارس المجتمع المدني ضغطا كبيرا على الدول واقتراح إيجاد تعاقد اجتماعي جديد لإعادة توزيع الثروة.

الاقتصاد الافتراضي

في واقع الحال فإن جريمي رفكان ينظر لعصر اقتصادي جديد يشكل روح الرأسمالية الجديدة، اقتصاد يقوم على شبكات تكنولوجيات الإعلام والتواصل وعلى تدبير جديد (مانجمانت جديد) (14)، هو اقتصاد السبير- فضاء أو الهبير- فضاء أو الاقتصاد- نت أو اقتصاد المعرفة (15) أو اقتصاد المعلومة e-économie وغيرها من التسميات والصفات والنعوت، إلا أنه بالنسبة لنا يظل اقتصادا افتراضيا.

يشتق الافتراضي virtuel من اللغة اللاتينية virtualis وvirtus وتعني القوة والسلطة.وفي الفلسفة يعني الافتراضي الموجود بالقوة.

إذن سيكون الافتراضي هو ما يشير إلى غياب الوجود الواقعي. إنه شئ من الوهم والخيال.والافتراضي لا يتعارض مع الواقعي، بل مع الراهني (الحالي).فقد تطرق الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز للامكان والافتراض محددا الامكان كتشكل، كشئ سيتحقق دون حدوث أو حصول تغير لأن الإمكان واقع لا ينقصه إلا الوجود وتحققه ليس إبداعا. وباختصار إن الامكان استاتيكي وجامد وسكوني لأنه مكتمل التشكل.

وأما الافتراضي فهو معقد وإشكالي تصاحبه الميولات والاتجاهات والقوى. ومن خاصياته كذلك الدينامية، وهي حركية عكسية للراهنية. ففي حالة المقاولة الكلاسيكية نجد مقاولة تحتل حيزا في المكان المرئي تحتوي على بناية وعمال، وكل عامل يقوم بعمل ما (يحتل منصبا) ويشغل حيزا مكانيا، لكننا في المقاولة الافتراضية لا نجد غير شاشات العمل التي عوضت الحضور الفيزيائي للعمال موصولة بشبكة الاتصالات الالكترونية وبرانم متعددة. في هذا النوع الثاني من المقاولة ينتظم المكاني- الزماني للعمل وفق مشاكل مطروحة؛ أي أن الافتراضية تنطلق من الحل كمعطى إلى مشكل مطروح على عكس الراهنية التي تنطلق من المشكل إلى الحل. فالمقاولة الافتراضية لا تقبل التموقع لأنها راحلة، فهي ممزقة ومشتتة ومستأصلة لا وطن لها لأنها تعيش كعابر للأوطان.

يتوافق الاقتصاد الافتراضي والاقتصاد المستأصل، الاقتصاد الراحل والعابر للأوطان والبلدان، وهو الاقتصاد الذي يعبر عن نفسه كسياحة؛ السياحة كوجه بارز لهذا الاقتصاد الراحل: رحلات، فنادق، مطاعم. إنها المجهودات المضنية التي تبدلها الدول حتى يصبح الإنسان سائحا، راحلا، مهاجرا لبلده وسكناه وأكل البيت لينام ويأكل ويعيش خارج منزله. وقد نضيف إلى كل ذلك المنافسة الكبيرة بين شركات النقل سواء لاحتكار المسافرين أو المصنعة لوسائل النقل من سيارات وقطارات وطائرات وعلاقتها بالترحال والعبور والسفر والابتعاد عن مكان النشأة والمولد والوطن. ثم كذلك من خاصيات هذا الاقتصاد المستأصل توزيع المواد الذي لا يعمل هذا الاقتصاد إلا على ترحيلها وتهجيرها إلى هناك.

للاقتصاد الافتراضي مميزات منها:

أولا: يقوم هذا الاقتصاد على وسائل الاتصال الالكترونية والرقمية وهي جزء منه.
ثانيا: يقوم على أبناك المعطيات المباشرة.
ثالثا: يقوم على اقتصاد المعلومة (اقتصاد لامادي).
رابعا: يقوم على بيع الكفاية التي تعني القدرة على التجدد في سياق متحول.
خامسا: يقوم هذا الاقتصاد على الإنسان- الآلة.
سادسا: يقوم على السبير-فضاء الذي عوض المكان- السوق التقليدي في الاقتصاد الكلاسيكي باعتماد السوق المباشر على الخط وشاشات البيع، حيث سيرورات الإنتاج والتسويق مرتبطة بالفضاء الافتراضي.
سابعا: انتفاء الوساطة مما يعني استئصال السوق الكلاسيكية.
ثامنا: ستكون أنشطة اللهو والبحث والتعلم افتراضية.وقد تعوض الإنترنت المدينة الفيزيائية، المدينة الافتراضية مدينة كونية واحدة: الشبكات كالطرق والشوارع، والحواسب والبرانم توازي السيارات الفردية، والمواقع كالدكاكين والمكاتب والمساكن، ومجموعات النقاش تعوض المقاهي والأماكن العمومية(16).
تاسعا: سيكون التعليم افتراضيا في أمكنة افتراضية (مدارس افتراضية، جامعات افتراضية...).

 وخلاصة القول أن الاقتصاد الافتراضي هو اقتصاد عن بعد كالعمل عن بعد(17) وكالتعليم عن بعد والتكوين عن بعد والبيع والشراء عن بعد والتحاور والتعارف عن بعد إلخ... ما يميزه هو غياب الجسد والمكان والذاتية لأنه ذكاء بلا وعي.

حاولنا في مستهل الأطروحة الثالثة حول المدرسة التي عنوناها بمدرسة المقاولة الاحاطة، ولو بشكل مختزل، بتحديد مفهوم العمل حتى نفهم عصر الاقتصاد الافتراضي الذي يرمي بظلاله على المدرسة الوطنية والمدرسة تقليديا التي تحتل مكانا مرئيا. فكما تتحول المقاولة إلى مقاولة عابرة للأوطان تتحول المدرسة اليوم إلى مدرسة على القمر الاصطناعي، مدرسة على الساتل، أو إلى مدرسة-نت. لا بد وأن هذه المدرسة الجديدة الآتية ترافق عصر العولمة الاقتصادية والتشميل لتضع حدا للمدرسة الوطنية.

تحبل التنظيرات المبشرة بمجيء هذه المدرسة الجديدة؛ مدرسة- النت، فمن مقررات اللجنة الأوربية إلى طاولة المصنعين الأوربيين وصولا إلى OCDE نجد تبشيرا كاملا بمدرسة الغد التي تقوم على الجامعات الافتراضية والتكوين عن بعد e-learning وأفول الأستاذ ونهاية القسم، أي نهاية التكوين في عين المكان ليصبح المكون مستهلكا ومنخرطا في سيرورة لا نهاية لها من التكوين مكتفيا بانخراطه باسم مستعار ورقم الانخراط (القن السري).لا فرق هنا بين مقاولة افتراضية على شبكة الإنترنت ومدرسة افتراضية على نفس الشبكة. فما يهم هو إرضاء الزبناء، هو الحصول على زبناء. فإذا كان قتل السوق التقليدية يعمل لصالح الاقتصاد الافتراضي كما حددناه سابقا فإن قتل المدرسة الوطنية هو السبيل الوحيد لتحقق المدرسة-نت.

لهذه المدرسة الآتية معجمها الكبير المغري وآلياتها الناجعة ومحاموها المدافعون عنها دون ملل وحراسها الأقوياء. فمن جهة المعجم نجد القضاء على الأمية الرقمية وقنوات الاتصال والتعلم مدى الحياة والكفايات والتكوين عن بعد والتكوين المفتوح والتوأمة وتعددية الوسائط إلخ...ومن جهة المدافعين عنها نجد المنظمات العالمية والتجارية والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات. وأما من جهة الدواعي فهي كثيرة نجملها فيما يلي:

أولا:  النزعة النفعية
 أسسها الفيلسوف الإنجليزي جريمي بنتهام Jeremy Bentham قي القرن الثامن عشر. لا تبحث النزعة النفعية في إصدار أحكام كما هي ولكن وفق النتائج.كما تختار الفعل تبعا للنتائج وتحيل على بعض النظريات القائلة بالفعل العادل مثل نظريات جريمي بنتهام و جون ستوارت ميل وهنري سيدويك.والفعل العادل يكون في وضعية معطاة، بمعنى الفعل الذي يجب اختياره .وعدالة فعل لا يحكم عليها إلا بالنتائج.فكلما كانت النتائج نافعة وجب تحبيذ الوسائل من أجل تلك غاية.

النفعية مذهب أخلاقي يفترض في المعنى السلوكي فرضية تقوم على كل ماهو نافع وجميل، وأن النفعية يمكن تحديدها عقلانيا، أي أن النفعية نزعة أخلاقية تتكون من قواعد سلوكية تحولت إلى نمط تقويمي للأشياء من جهة الاقتصاد.وان الحكم على السلوك الفردي والاجتماعي يتأتى من خلال المنفعة الاجتماعية، وفي غالب الأحوال على كل فرد أن يفكر في الفرد الواحد، أي في ما ينفعه هو.

وفي التعليم تعني النفعية المهارة والإتقان والمعارف النافعة النفع المباشر؛ لذلك تعطي المدرسة الجديدة الأهمية للكفايات العرضانية عوض الكفايات التخصصية؛ أي الكفايات القابلة للتعبئة والتحريك والاستثمار المباشر في الحياة اليومية عملا بمبدأ المردودية الاقتصادية والبحث المستمر عن التنظيم الجديد للمدرسة.لذلك ترى OCDE أن المدرسة النافعة هي المدرسة التي تعيش على إيقاع حركية التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال كأداة للتعليم والتعلم فيما يخص الكفايات الأساسية(18).

ثانيا: التكيفية
1- التكيف
يحاول منظرو الاقتصاد الجديد إقناع الجميع بضرورة استلهام الداروينية الاجتماعية. هناك حرب اجتماعية تقع على جميع المستويات لا تسمح بالاستمرار بنفس التنظيمات الاجتماعية وتنظيمات الشغل والتعليم غيرها في عالم تسوده المنافسة الحادة من أقصاه إلى أقصاه. إنه صراع الكل ضد الكل الذي يحتم تغيير كل شئ والإعراض عن كل ما كان حقا كالعمل وتوحيد الأجور والتأهيل والتكوين المستمر ومجانية التعليم واستقلالية المدرسة والجامعة إلخ... إذن لا بد أن تتكيف المدرسة مع هذا المحيط باستجابتها للرغبات ولمطالب السوق والمقاولات. ولا يمكن ذلك إلا بجعل المدرسة مفتوحة أمام الخواص والمقاولات ورجال الأعمال والشركات وإدخال التكنولوجيات الجديدة وتمهين التعليم ليصبح تعليما نفعيا، أي تسهيل إدماج المهنية من قبل المتمدرسين ليكتشفوا المقاولة وواقع المهنية عن طريق العلاقات القائمة بين المدرسة والمقاولة. وتعزيز جانب المهنية في التكوين عن طريق الوضعيات-المشاكل أو ما يسمى التحويل والنقل.ثم تنمية قدرات الاستقلالية بإقرار بيداغوجيا حل المشاكل والكفايات والوضعية- المسألة (19).

 2- المرونة الشاملة
برزت المرونة الشاملة في عهد العولمة كسياسة في تدبير اليد العاملة للملاءمة بين الإنتاج والشغل و(ليس العمل)، ومع التغيرات المتسارعة على مستويات متنوعة.وتشمل المرونة عدة مستويات منها الغلاف الزمني للعمل الفعلي والأجور وعدد العمال والترسيم والمياومة والعمل بالتعاقد والتداريب والتكوين المستمر والتأهيل وتدبير مناصب الشغل. كما أن منظري الليبرالية الجديدة أو المدبرين الجدد يميزون بين المرونة الكمية الخارجية التي تتحقق باللجوء إلى سوق الشغل؛ بمعنى أن العمل في المصنع أو المقاولة يرتبط بالحاجات ويوثق بعقود الشغل المحدودة في الزمن. كما عملت هذه المرونة على تعويض عقد الشغل بعقد تجاري أكثر ليونة كاللجوء للعمال الاحتياطيين وتفويض الخدمات الخارجية مثل الحراسة والإصلاح والترميم والنقل والنظافة للغير...وأما المرونة الكمية الداخلية فتتأتى بتنوع مدد الشغل في علاقتها بالإنتاج: تنوع في ساعات الشغل، الاستفادة من الوقت الثالث، حذف ساعات معينة من الشغل... وتسمى هذه المرونة كذلك بالمرونة الوظيفية، حيث يصبح للعمال أدوار مختلفة حسب الحاجات لا التخصصات في المناصب والأوراش أو المكاتب.

كما لا ينبغي أن نغفل تداعيات وتأثيرات المرونة على الأجور و التسميات في المناصب التي قد تعود إلى أهداف المقاولة لا إلى قانون الشغل.
هناك عدة دواعي تبرر اللجوء للمرونةكما ترد عند منظري الاقتصاد الجديد، منها:

1- التغيرات المتسارعة التي يعرفها الاقتصاد العالمي من حيث الإنتاج والتسويق والطلب وتعددية الأسواق...
2- التنافسية العالمية الحادة...
3- تقادم بعض التكنولوجيات وظهور أخرى..
4- التبدلات الدائمة لذوق المستهلك...

ثالثا: العمل عن بعد، التكوين عن بعد

يقترن في الاقتصاد الجديد العمل عن بعد والتكوين عن بعدe-learning. وداعي وجوده يتمثل في وجوب التكيف مع المحيط المتحول والتطور التكنولوجي والبحث الدائم عن تحسين الإنتاجية وتحقيق المرونة والمردودية(20).تتحدث OCDE عن الشراكات بين المدرسة والمحيط، وعن رهانات شراكات جديدة من أجل السبير-تكوين Cyberformation كأدات للتعلم بعيدا عن المدرسة.

منذ بدايات الثمانينيات حدث تحول في ثقافة التأهيل والتكوين المستمر و حدث تحول في التوظيف وإحداث مناصب الشغل؛ إذ ارتأت المقاولات أن المنافسات المتعددة تحتم العمل بأنماط جديدة للتكوين ودفع التعليم إلى تبني تصورات جديدة للتربية والتكوين. وقد كان هذا التصور مدعوما من قبل المنظمات الدولية الكبرى كالبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية وأوسيدي وغيرها من المنظمات الأخرى. فعوض التفاوض حول التأهيل بين الدولة وأرباب الشغل والنقابات تحول مجال التكوين إلى سوق خاصة استثمارية تحت اسم التكوين مدى الحياة أو التعلم من المهد إلى اللحد du berceau au tombeau.

تجب الإشارة إلى أن تحرير التكوين يستهدف جميع الأعمار وجميع المواطنين.وقد دعت OCDE إلى التناوب بين التربية والتكوين، أي خلق شراكات بين المدرسة والمقاولة.
يرمي التعلم مدى الحياة إلى إحداث رغبات ذاتية عند الشغيل لاستهلاك معارف وتلقي تكوينات جديدة لمواكبة التغيرات والتحولات والمتطلبات التي يفرضها التنافس إلا أن ما سيتلقاه الشغيل من معارف لن يكون مجانيا شأنه في ذلك شأن التلميذ والطالب.

رابعا: التحرير والخوصصة، خوصصة المدرسة

يعني التحرير تدمير التشريعات والاتفاقيات الوطنية لصالح الاتفاقيات الدولية. كما يعني كذلك اختفاء الحقوق الجمركية وهو ما سيكون في صالح الدول المصنعة أكثر من غيرها. وأما الخوصصة فهي بيع مقاولة عمومية أو خدمة عمومية للخواص بصيغة الجمع أو المفرد ( علينا أن نفكر في الخوصصات التي حدثت في الدول الاشتراكية منذ ولوجها اقتصاد السوق)، وعلينا كذاك التفكير في خوصصة الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والنقل والبريد والهاتف والطاقة والماء... بدعوة من المنظمات الدولية والشركات الكبرى لأن ما ينبغي وضعه بعين الاعتبار أن القطاع العمومي كيفما كان هو في نهاية التحليل يقدم مهام وخدمات اجتماعية كحجة على وجود الدولة نفسها.ففي التفكير الاجتماعي ينظر إلى الخدمات الاجتماعية من حيث أنها خدمات تضمنها الدولة ، خدمات لا تعرف الإفلاس تعمل على تبرير وجود الدولة وتبرهم على إلزامية المساواة بين المواطنين: الأثمنة، الخدمة هي نفسها بالنسبة للجميع.

خامسا: المهنية

ظهر الخطاب حول المهنة كأول تصور أصيل لتنظيم الشغل بهدف اقتصادي. ففي عالم ملئ بالآلات يجب أن تتوفر في العامل شروط معينة(21).ويستفاد من الخطابات الداعية للتمهين أنه لكل مهنة معارفها الخاصة والاعتراف بتلك المعارف يعني الاعتراف بهوية مهنية وبثقافة مهنية وتنشئة مهنية معينة.وبما أن المهنة نشاط فهي في منآى عن الميكانيكية وممارستها لا تتوخى التأمل وتطوير النظريات لأن المهنة خدمة يقوم بها المعني. ثم لا بد من التمييز بين المهنة والحرفة؛ فالمهني يحل المشاكل-الوضعيات ليبرهن على المسؤولية والإبداعية والحرية والقدرة على التجديد بينما الحرفي يقتصر على الصناعة اليدوية المتكررة.

يعني تمهين التدريس تحويل لوسط المدرسة والتفكير في طرق التدريس لا نقل المعارف وحدها.ومن أجل ذلك يقترح فليب بيرنو مقاربة نسقية للمدرسة لأن المدرس سيلج عوالم جديدة مثل التدبير والتفاوض وتقويم المؤسسة ووضع المشاريع والعمل الجماعي.ولم يغفل بيرنو التذكير بان التمهين يرتبط بمنظور اقتصادي لتحقيق المردودية والنجاعة.

ستزداد هذه المطالب أكثر فأكثر بإدخال التكنولوجيات الجديدة إلى المدرسة لأن المنظمات الدولية ومنها .

0 التعليقات:

إرسال تعليق