تاريخ الفن العربي الاسلامي
الزيارات:
الزيارات:
تاريخ الفن العربي الاسلامي
- العصر الأول –
إنجاز : محمد الصيفي
مقدمة
ارتبط الفن عبر
العصور بالإنسان، وشكل كل ما أنجزه هذا )المخلوق( في القدم، فنا اليوم، أي أن كل ما كان يبتكره ويصنعه
في الماضي من أدوات ومعدات وكل ما شيده من مساكن في الصخر وفي الجبال وكل ما تركه
من أثر، يعتبر اليوم من الفن.
وفي ضل الدولة
الاسلامية وتوسعها على سائر الأقطار والأمصار، كانت هناك ابداعات بالجملة وفي كل
الميادين. لم يكن لها طابعا فنيا بمفهومنا
الحالي طبعا، وربما كانت تفتقر حتى لقيمتها الجمالية، ولم يعيروها اهتماما في
وقتها، أو أن من كان يقوم بإخراجها إلى حيز الوجود (الفنان المسلم) لم يكن له قيمة
وكان فقط يعمل لإرضاء السلطان، أو كان عمله هذا يدخل في (العمل عبادة ) وكان يتقرب
بإبداعه إلى الخالق المنان، ويحتسب أجره الى الله؟
في عرضنا هذا الذي
سيسلط الضوء على الفن العربي الاسلامي في عصره الأول، أي مند البعثة النبوية
الشريفة الى نهاية حكم الدولة الأموية (132هـ) الموافق للقرن السابع والثامن
الميلادي. سنقف على بعض المفاهيم وخاصة 'الفن الاسلامي' ، لننتقل بعدها الى الفنون
الأكثر بروزا وانتشارا في هذا العصر، ليشمل كل ما أبدعه الأديب والشاعر والمعماري
والنجار والزجاجي والحداد ...(فنان الديكور) ومبدع الاثاث والتشكيل عامة
ثم الموسيقى والغناء.
مصطلح "الفن
الإسلامي" :
أولا "الفن" :
الفن هذا المصطلح
المتداول حاليا، لا نجده في كتب العرب القديمة، فما ننعته نحن الآن ب
"فن" كان يصطلح عليه ب"صناعة" في العديد من كتب التاريخ أو
العلوم الدينية أو الدنيوية، كما ورد في كتاب الجاحظ البيان والتبيين أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال : من خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته،
يستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم.[1]
وفي كتاب
"تاريخ" ابن خلدون نجد أنه يتحدث عن الصناعة وهو يقصد بها الغناء.[2]
ويدقق الباحث جبور
عبد النور في معجمه أن صنعة :
هي كل علم أوفن مارسه الانسان، حتى يمهَر فيه، ويصبح حرفة له. [3]
ثانيا الاسلامي :
فهذه الصفة تضع الفن في أطار ديني وتخفي جانبه الدنيوي! هل الاسلامي تحدد زمانا ومكانا معينين؟ هل الاسلامي لها صلة بالإسلام
الذي جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أم هو كل ما ارتبط بعقيدة التوحيد
مند الازل؟ فالله هو السلام وهو من سمانا
المسلمين من قبل. قال تعالى « وَجَاهِدُوا فِي
اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ
قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ » سورة الحج آية 78.
ويقول بعض المفسرين هنا، أن الله سمانا المسلمين (أن ننتمي لدين الاسلام) من قبل
النبي ابراهيم عليه السلام.
أما "فن
اسلامي" :
أو الفن الاسلامي l’Art Islamique ، فصعب التحديد والتعريف،
نجد من يشير له بفن الاسلام،– art of islam أو فن المسلمmuslim art ، أو فن العرب arabes art، أو فن الشرق art d’orient ... وفي الابحاث
الامريكية يتحدثون عن الفن المحمدي Mohammedan Art.
تحدث (أ.كاييت Albert
Gayet) في كتابه "Art
arabe" عن الفن العربي وليس الفن
الاسلامي، لكنه يوضح في مقدمة كتابه أن هذا الفن مأخوذ ومتأثر بالثقافات الاخرى في
ظل التوسع الاسلامي.[4] أما
المستشرق والباحث في علم الأثار والفن الاسلامي كرابار Oleg GRABAR وجد أن فن الارابيسك (الرقش) هو الوحيد الذي يمثل
الفن الاسلامي ويعبر عن فلسفة الاسلام الجمالية. ويرى بابادوبولو A.PAPADOPUlO في كتابه "الاسلام والفن الاسلامي" أن
الفن الوحيد الذي يرتبط بالمعنى الاسلامي هو فن المنمنمات Miniature.
وعندما نرجع الى
المفكرين العرب المسلمين نجد منهم الكاتب محمد قطب، الذي يتحدث عن الفن الاسلامي في
مقدمة كتابه "منهج الفن الاسلامي" : الفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام...وليس
حقائق العقيدة المجردة، مبلورة في صورة فلسفية. إنما هو الفن الذي يرسم صورة
الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود . هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان، من خلال تصور الإسلام
للكون والحياة والإنسان.[5]
ويُلبس عفيف بهنسي الفن الاسلامي شخصية ثقافية، ويختزلها في أشكال مجردة نباتية أو هندسية أطلق عليها اسم الرقش (Arabesque ) ، يختلط فيها أو يماثلها فن الخط العربي الذي تنوعت أشكاله حتى قاربت المائة شكل.[6]
ويُلبس عفيف بهنسي الفن الاسلامي شخصية ثقافية، ويختزلها في أشكال مجردة نباتية أو هندسية أطلق عليها اسم الرقش (Arabesque ) ، يختلط فيها أو يماثلها فن الخط العربي الذي تنوعت أشكاله حتى قاربت المائة شكل.[6]
وسنقول أنه، من
خلال هذه التعريفات سواء كانت للفن الاسلامي أو تعريفات بالفن الاسلامي، أن هذا
الفن مرتبط بالفنان المسلم المبدع، هذا الابداع ناتج لظروف معينة يحكمه إطار معين
ويعتمد على تقنيات معينة، لكنه لصيق بالمسلم سواء منه العربي أو غير العربي، لأن
الاسلام ليس له مكان ولا زمان محددين.
سنبتدأ بما ميز
ويميز العرب عن غيرهم من الحضارات الأخرى، سنبتدأ بفن الشعر، الفن الذي يعتبر جزءا
لا يتجزأ من الهوية العربية.
1.
فن الشعر في الأدب العربي الاسلامي :
إن من أبرز الفنون في هذه المرحلة بالذات هو فن الشعر،
وهو استمرار لعبقرية عربية كانت قبل البعثة المحمدية (عصر الجاهلية)، حيث كان للشعر
والشعراء مكانة كبيرة، وحتى لما جاء الاسلام احتفظ الشعر والشعراء بمكانتهم، لقوله
صلى الله عليه وسلم « أن من البيان لسحرا، وان من الشعر لحكمة »[7].
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شعراء اختصوا به وبالدعوة، فردوا على شعراء المشركين واليهود والمنافقين هجاءهم للنبي صلى الله عليه وسلم
والدعوة الإسلامية واستخدموا كل سلاح لدحض أباطيلهم ، فنشأ فن النقائض الإسلامية[8]
ومن أشهر شعرائه : حسان بن ثابت(شاعر الرسول) وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأبو
دجانة وصفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين .
مثال لشعر النقائض : جزء
من نقيضة كعب بن مالك مجيبا ضرار بن
الخطاب في غزوة بدر.
1ـ عجبت لأمر الله
والله قادر
2ـ قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا 3ـ وقد حشدوا واستنفروا من يليهم 4ـ وسارت إلينا لا تحاول غيرنا 5ـ وفينا رسول الله والأوس حوله |
على ما أراد
ليس لله قاهر
بغَوا وسبيلُ البغي بالناس جائر من الناس حتى جمعُهم متكاثر بأجمعها كعبٌ جميعا وعامر له معقل منهم عزيز وناصر |
ونجد أيضا نوعا أخر من الشعر ضهر مع الفتوحات الاسلامية، وهو شعر المغازي والفتوحات.
قدّم ابن رواحة حواراً رجزياً في هذا الموقف
الجهادي.
أقسمتُ يا نفسُ
لتُنزلِنَّهْ
لتنزلِنَّ أو لتُكرهِنَّهْ إن أجلَبَ الناسُ وشدوا الرَّنة مالي أراكِ تكرهينَ الجنة قد طالما قد كنتِ مطمئنة هل أنتِ إلا نطفةٌ في شِنّة |
العوامل المؤثرة في الشعر في عصر صدر
الإسلام :
1 - - القرآن الكريم .
2 - - الحديث الشريف .
3 - - الاتحاد من بعد الفرقة .
4 - - انتشار روح الإسلام جعلهم يتجهون للعمل على إعلان الدين الجديد .
5 - - انتشار الأدب والثقافة السياسية .
2.
فن النثر :
يتمثل النثر الادبي في صدر الاسلام في الخطابة والرسائل،
فكان عليه الصلاة والسلام متميزا في خطبه ورسائله، وكذلك الشأن بالنسبة للخلفاء
الراشدين الذين كانوا ينهلون من القرآن الكريم ومن الاحاديث الشريفة.
مثال :
خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات : حمد الله وأثنى عليه ثم قال :
( أيها الناس ! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا
إلى نهايتكم . إن المؤمن على مخافتين : بين عاجل مضى لا يدري ما الله صانع به ،
وبين آجل بقي لا يدري ما الله قاض فيه . فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه
لآخرته ، ومن الشيبة قبل الكَبرة ، ومن الحياة قبل الموت . فو الذي نفس محمد بيده
ما بعد الموت من مستعتب ، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ).
3.
فن العمارة والرقش :
لم يكن في بلاد العرب قبل الاسلام أساليب
فنية أصيلة – وكل ما كان فيها من فنون انما نقل عن المدنيات المجاورة- ... وفن
العمارة والرقش تأثر عامة بالفنون
المسيحية الشرقية( مركزها سوريا تأثر بأساليب الفنون الهيلينية) و الفن الساساني
في ايران والعراق ثم الفن القبطي في مصر(بعد فتح وادي النيل).[9]
انتقلت عاصمة الدولة الاسلامية من المدينة والكوفة الى دمشق في عصر
الامويين الذين شيدوا مساجد وقصورا عظيمة، فكان انتشار هذا الطراز الأموي في الحوض
الابيض المتوسط.[10]
ومن أعظم الامثلة التي يمكن أن تقربنا الى أسمى فنون العمارة في العالم
الاسلامي خلال العصر الاول هو مسجد قبة الصخرة ببيت المقدس الشريف.
وبالنسبة لعمارة القصور أخذنا كمثال قصر "المَشتى".
مسجد قبة الصخرة ببيت المقدس : 72 هـ (691-692م)
شيده عبد المالك ابن مروان ليكون رمزا آخر يحج إليه المسلمون، كان يطلق عليه
في بعض الاحيان اسم جامع عمر-لأن عمر بن الخطاب كان قد أقام في موضعها مصلى من
الخشب.(للمزيد من التفصيل –ملحقة PPT.قبة الصخرة)
جمالية الفسيفساء
في ... قبة الصخرة [11]
في العمارة الأموية
تتألف الفسيفساء من مكعبات زجاجية لا تتجاوز ضلع المكعب منها السنتيمتر الواحد، وهذا
النوع من الفسيفساء يختلف عن الفسيفساء الروماني الذي كان مؤلفاً من أحجار طبيعية ملونة،
ونرى ذلك في العهد البيزنطي. ولقد تأكد للباحثين أن الفسيفساء الزجاجي هو من الصناعة
المحلية. فقد عثر على مصانع في أماكن مختلفة من بلاد الشام لمثل هذا النوع من الأحجار.
على أنه من المحتمل أن تكون الأحجار الذهبية قد استوردت من خارج بلاد الشام. ومما لا
شك فيه أن تنفيذ الفسيفساء قد تم أيضاَ من قبل صناع محليين، يؤكد ذلك أن فن الفسيفساء
استمر في قبة الصخرة والمسجد الأقصى والجامع الأموي الكبير في دمشق ومسجد المدينة الذي
أنشأه الوالي عمر بن عبد العزيز بأمر من الخليفة الوليد. كما نراه في القصور الأموية
مثل قصر المفجر الذي أنشأه هشام قرب أريحا وقصر مدينة عنجر الكبير في سهل البقاع لبنان.
إن هذه الكميات الضخمة من مكعبات الفسيفساء التي غطت تلك المساحات الواسعة من جدران
المساجد المذكورة وأروقتها لا يمكن أن تكون قد استوردت، أو أن يكون عمالها قد جاؤوا
من أماكن بعيدة. ثم إن تقاليد الفسيفساء قديمة في فلسطين وبلاد الشام، وأهمها كنيسة
المهد في بيت لحم التي كانت واجهتها الغربية مزخرفة بالفسيفساء ، وعشرات الكنائس والمعابد
التي كشف عنها التنقيب الأثري في سوريا وتعود إلى ما قبل الإسلام تبين براعة أهل الشام
بهذا الفن وصناعته.
ولقد ألصقت هذه
الفصوص بإحكام وترتيب فني بواسطة الجص على جسم الجدار، وجعلت الفصوص الفضية والذهبية
مائلة لكي تعكس النور على الأرض. ومع أن أكثر الفصوص زجاجية فإن بعضها من الأحجار الكريمة
أو من الصدف أو من اللؤلؤ.
مزايا الفسيفساء
الفنية
تقوم ميزة الزخارف
الفسيفسائية في قبة الصخرة ، على الأسس التالية:
إنها تشكل بداية
أساسية لفن الزخرفة العربي الإسلامي. وإنها تتصل بالزخرفة المحلية في بلاد الشام اتصالاً
واضحاً، ويرجع السبب في ذلك إلى أن صانعي هذه الزخارف هم السكان الأصليون، وهم من العرب
الذين دانوا بالمسيحية ثم انتقلوا إلى الإسلام أو استمروا على دينهم وكانت لهم مكانتهم
ودورهم باعتبارهم من أهل الذمة.
إن هذه الزخرفة
تحوير رفيع لعناصر واقعية من أشجار وأزهار وأوعية، ولكن هذه العناصر لم تحافظ على واقعيتها
بل أصبحت أشكالاً فنية مبدعة. وهذه الخصيصة جعلت النقاد ينظرون إلى الفن الإسلامي منذ
نشأته على أنه فن إبداعي لا فن نقلي يحاكي الواقع. ولقد تفنن الرسام في التعبير عن
تفاصيل كل عنصر بأسلوب فني.
لا تتشابه العناصر
الموزعة في أنحاء قبة الصخرة. فليس لعنصر مستمد من نبات محدد أن يتكرر في حالتين. ولذلك
فإن مواضيع الزخرفة في قبة الصخرة ذات غنى لا حد له. ولقد برع الرسام والمنفذ الفسيفسائي
في اختيار الألوان الرمزية التي تتماشى مع معاني العناصر لا مع حقيقتها اللونية الواقعية،
ومع الانسجام اللوني والجمال الفني. ثم إن العناصر التي اختارها الفنان هي الأواني
الحاملة والأشجار الشرقية بأنواعها المختلفة، النخيل والزيتون واللوز والكرمة وأكواز
الصنوبر، والورود والأشكال الكأسية وقرون الرخاء والأهلة والنجوم واللآلئ...الخ.
الزخرفة
الداخلية للمسجد :
تتضمن الحلقة السفلى
تعريفاً بمنشئ القبة، وهو السلطان صلاح الدين الأيوبي ولقد تم تنفيذ هذه النافرة بالألوان،
وهي الطريقة المألوفة في زخرفة السقوف أو الجدران في بلاد الشام.
وتنتهي القبة الداخلية
برواق مطل على الداخل بواسطة عقود ثلاثية الفصوص محمولة على عمودين مزدوجين قصيرين،
وتقوم الأعمدة على جسم الرقبة المكسوة بكاملها بزخارف فسيفسائية وتتخللها بشكل رتيب
ست عشرة نافذة مقوسة مكسوة بالزجاج المعشق يحمل كل لوح منها صيغة زخرفيه مختلفة عن
الأخرى. ويعقب هذه الزخرفة شريط عريض من الفسيفساء الأصيل ذي الزخارف النباتية المحورة
المكررة. وينتهي هذا الشريط بكتابة مزخرفة مركبة من مكعبات الفسيفساء تتضمن آيات
قرآنية.
جمالية الرقش النباتي
والهندسي
يجب التمييز في
الرقش العربي بين الرقش النباتي والرقش الهندسي، الزخرفة في قبة الصخرة وفي المسجد
الأقصى بصورة عامة لينة ونباتية، والشيء المشترك بينها هو عنقود العنب الذي يبدو في
وسط الأغصان المحمولة بأوراق منمطة. ويبدو طابع التكرار أساسياً في صيغ الزخرفة. وتبدو
الخلفيات ذات درجات مختلفة أحياناً. ومما لا شك فيه أن الفنان الصناع قام بالضغط أو
بالطرق على الوجه الخلفي للوح فأحدث نفوراً في الوجه المرئي. ولكنه نفور دقيق، حتى
أننا لنرى في ورقة الكرمة درجات من الضغط أو الطرق.
ولا تختلف باقي
الألواح القائمة والواقعة فوق الجدران الرخامية عن سابقتها، إلا أن التنفيذ فيها يبدو
أكثر دقة وبراعة، وبخاصة التعبير عن درجات البروز.
ويبدو الاختلاف
في التكوين والتصوير وتنظيم الأشرطة شديداً بين الألواح القائمة على الجدران، الأمر
الذي يدل على غنى لا حد له في اختيار الصيغ الزخرفية. وهذه الأعمال التي لم ثر نظيراً
لها في الفنون السابقة. ولا في الفنون اللاحقة، تدفعنا دائماً على التساؤل والبحث عن
شخصية صانعها.
قصر المشتى : 125هـ (743-744م)
يقع قصر المشتى على بعد 30 كم جنوب مدينة
عمان ويُعتقد أن الذي بناه هو الوليد بن يزيد الثاني بن عبد الملك عام (743- 744 م(. وتذكر المصادر
التاريخية أن الوليد بن يزيد الثاني كان منفياَ من بلاط الخلافة عندما كان أميراَ،
وقد استقر في البادية الأردنية بالقرب من واحة الأزرق، وينسب إليه بناء( قصير عمرة).
4.
الخط العربي :
حمل الخط العربي أسماء
الاقاليم التي حل بها منها : الحيري والانباري والحجازي وغيرها، ظهر الخط الكوفي
في الكوفة جنوب العراق وظهر النسخ في الحجاز، فكان الخط الكوفي يستخدم
للكتابة على الحجارة خاصة على جدران المساجد وكذا على العملات النقدية المعدنية. أما النسخ فكان يستخدم في كتابة
البرديات والدواوين الرسمية، لمرونته وسرعة كتابته.
دخلت الزخرفة في الخط العربي حيث تعهد
الامويون بتنشيط حركة الفنون التشكيلية والخط منذ البدء في الحفر على المرمر
والفسيفساء وفي زخرفة المساجد.
الخط العربي بوصفه زخرفة في مسجد قبة الصخرة
إذا كانت ولادة الرقش العربي قد بدأت من هذه المنطلقات، فإن ولادة الخط العربي
كعمل إبداعي، تولدت من تجويد كتابة القرآن تعبيراً عن التكريم والتعظيم. ويجب أن نذكر
هنا أن أقدم شكل من أشكال الخط العرب البديع نراه على جدران قبة الصخرة. فثمة شريط
طوله 240متراً، يقع في القسم العلوي من المثمن الداخلي بقبة الصخرة يتضمن كتابة منفذة
بفصوص الفسيفساء المذهبة على خلفية زرقاء، هي آيات قرآنية من سورة النساء وسورة آل
عمران. وثمة كتابة أخرى تتضمن تأريخ بناء قبة الصخرة.
كما ذكرنا أن تعديلاً تم على الكتابة في زمن العباسيين فأصبحت كما هي عليه الآن:
" بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله صلى
الله عليه. بنى هذه القبة عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين.
تقبل الله منه ورضي عنه آمين رب العالمين". ويبدو أن الجملة المحذوفة كانت
" عبد الملك بن مروان، وثمة كتابتان في قبة الصخرة تقعان فوق الباب الشرقي والباب
الشمالي نفذتا على النحاس وتعودان إلى عهد عبد الملك، وقد كتبتا بالخط الجليل
نفسه
.
ونرى في كتابة الباب الشرقي تعديلاً للتاريخ. فقد أضيف اسم المأمون وجعل التاريخ 216 هـ/931م
وفي الخط الأموي هذا تأثيرات نبطية واضحة في إملاء الكتابة، مثل حذف الألف من
" سلطتك"، وكتابة التاء المربوطة مبسوطة مثل " رحمت " بدلاً من
"رحمة".
ومن تحليل الخط الأموي هذا تبين للمدققين أنه يمتاز بالخصائص التالية:
·
إنه أقدم نموذج
لقلم الجليل الشامي المأخوذ من الخط النبطي المتأخر، وقلم الجليل هو أبو الأقلام،
والخطوط التي جاءت بعده أخذت عنه.
·
إن الخط تكيف مع
مادة تكوينه، وهي فصوص الفسيفساء، بمعنى أن الألفات يابسة وأن المسارات اللينة أخذت
شكل القوس والأحرف المنحنية اشتقت من الدائرة، وإن هذا ليذكرنا بالخط المسند،
ولعل ذلك يرجع إلى التأثير اليمني في ذلك الوقت ثم إن تنظيم المسافات والفواصل والأبعاد
يتلاءم مع حجم الكلمة ومساحتها.
إن من أروع العناصر الفنية وأكثرها قدماَ وأصالة،
الكتابة التي نفذت بالفسيفساء أو بالبرونز، وتعتبر الكتابة الفسيفسائية التي تحتل الجزء
العلوي من المثمن الداخلي لمبنى قبة الصخرة من أقدم ما لدينا من خطوط عربية فنية. فلقد
تطور الخط العربي في بداية الإسلام بسرعة وظهر من الخطاطين مبدعون ابتكروا أنماطاً
من الخط الجميل نذكر منهم قطبة المحرر. وهو أول من كتب الخطوط الموزونة واستخرج الأقلام
الأربعة، ومن أهمها قلم الجليل. وكان الوليد بن عبد الملك من أكبر مشجعي الخط الجميل
وكان والده عبد الملك أول من عرب الدواوين والنقد.
ويبلغ طول أشرطة الكتابة الأموية في قبة الصخرة 240 متراً، وقد تم تنفيذها بالفصوص
المذهبة على خلفية زرقاء.
تتضمن هذه الكتابة آيات قرآنية تؤكد تكريم الإسلام
للأنبياء. وبخاصة السيد المسيح، الأمر الذي يدل على أن تسامح المسلمين كان نتيجة عقيدتهم
الدينية . ومن هذه الجمل التكريمية " اللهم صل على رسولك وعبدك عيسى بن مريم"
و " بسم الله - لا إله إلا الله وحده لا شريك له - محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم". وتتكرر هذه الجملة عدة مرات، كما كتبت الآيتان 171-172 من سورة النساء والآيتان 18 و19 من سورة
آل عمران التي تحدث عن طبيعة السيد المسيح.
وتعود إلى التاريخ نفسه،
وإلى أسلوب الخط ذاته، الكتابة المطروقة على اللوح النحاسي وتتضمن تاريخ إنشاء الجامع
الذي يعود إلى عهد عبد الملك.
5.
الموسيقى في العصر الأول
·
الموسيقى في فترة الخلفاء الراشدين (632-661 م)
توفي
النبي عليه الصلاة والسلام عام 632 م، فانتخب المؤمنون أبا بكر خليفة له وحيوه
بذلك اللقب. وكذلك انتخب الناخبون من المسلمين ثلاثة خلفاء آخرين هم: عمر وعثمان
وعلي، ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يذهب إلى جوار ربه حتى فرقت المعارك بلاد
العرب وظهر الأنبياء الكاذبون من كل ناحية وثارت القبائل من عمان إلى أبواب
المدينة نفسها على الخليفة وأعلنت الردة على الإسلام.
ولكن ما
لبث الخليفة أن أخضع الجمهور الهائج الثائر وبسط سيطرته عليه في مدة لا تزيد على
السنة الواحدة. لكنه أرسل الجيوش وأثار روح الحرب ضد الكفار عامة في سبيل الوصول
إلى هذه الثمرة. وهكذا غزوا بابل والجزيرة العراقية وسوريا ومصر، وفتحوا تلك
البلاد ما بين 633 و643 م، مما سيكون له أثر ثقافي كبير في الحضارة الإسلامية فيما
بعد. وكانت أيام الخلفاء الراشدين الأربعة أيام الإسلام الحق، وكانوا يطبقون
القانون تطبيقا حرفيا، كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام أو كما يفسره الصحابة.
وحرمت الموسيقى، فيقول ابن خلدون أعظم المؤرخين المسلمين بأن المسلمين احتكروا كل
شيء ولا يوافق تعاليم الإسلام وحرموا الغناء في الأيام الأولى من الإسلام.
ولعل الخليفتين الأولين لم يحبا الموسيقى
ولا عنيا بها، فلقد شغلتهما الحرب في سبيل تثبيت الإسلام لدرجة منعتهما من التمتع
بالفنون، وعاشا أبسط عيشة بل انتظرا من غيرهما أن يحيا مثلهما.
وعلى الرغم من تشدد أبي بكر، يظهر أنه وجدت
فئة قليلة انهمكت في الملاهي. فالطبيعة لا يمكن أن تحبس بل غالبا ما يحدث رد الفعل
مفاجئا. والإنسانية في تحطيمها القيود كثيرا ما تتخطى حدود الأديان. فحاول الشباب
المرح الذي أترع كأسه من ملذات الحريم، حين ابتعد إلى الخارج، أن يتجنب قيود
القعيدة المتشددة وجرى وراء اللذة التي يبحث عنها أمثاله من الشباب وأصحاب اللهو
في الخمر وفي الموسيقى وفي الإنفاق المسرف، لكن كانت تنتظرهم أيام ذات حرية أكبر
وأشمل.
ويبدو أن عمر لم يختلف عن سلفه في هذا المضمار وإن كنا نجد حديثا عن عائشة يروي أن عمر سمع إحدى القيان في بيت النبي عليه الصلاة والسلام نفسه.
ويبدو أن عمر لم يختلف عن سلفه في هذا المضمار وإن كنا نجد حديثا عن عائشة يروي أن عمر سمع إحدى القيان في بيت النبي عليه الصلاة والسلام نفسه.
وتروى في العقد الفريد عدة أخبار عن عمر
وموقفه من الموسيقى. قال عمر في أحد هذه الأخبار بعد أن سأل رجلا أن يغني: "غفر الله لك"، ويوضح لنا هذا القول الحضر المضروب
على الموسيقى.
وتلاه الخليفة عثمان، فتغيرت في عهد حياة
العرب الاجتماعية والسياسية تغييرا كبيرا، إذ كان عثمان شغوفا بالثروة والمظاهر
بخلاف سلفه. واستطاع العرب بفضل الثروات الواسعة والرقيق الذي تدفق على الحجاز من
الأقطار المفتوحة أن يقيموا الروائع الشبيهة بما كانوا يرونه في البلاد العربية
الأخرى وفي فارس والإمبراطورية البيزنطية اللتين سقطتا تحت سيوفهم. فأصبحت القصور
الشامخة والحشم الكثير من الرقيق والمواكب المترفة والمعيشة المرفهة، من الأمور
المألوفة، لا في العراق وسوريا فحسب اللتين كانتا تعرفان هذه الأمور من قبل، بل في
مدن الحجاز المقدسة أيضا. وشغفوا بالموسيقى والموسيقيين في جميع قصور الأشراف
والأثرياء ودورهم بالرغم من حظر النبي عليه السلام وتذمر المسلمين من المتشددين.
أما علي فكان شاعرا، وكان أول خليفة أضفى
حمايته المطلقة الحقيقية على الفنون الجميلة والآداب بشجاعة، وذلك بدراسة العلوم
والشعر والموسيقى. ومنذ ذلك اليوم ضمنت الموسيقى مستقبلها. وعندما انتقلت الخلافة
من أيدي الراشدين إلى بني أمية نشأ الفن وثبت في بلاط النبي عليه الصلاة والسلام
أنفسهم.
وأول موسيقي ظهر في الإسلام هو طويس
(الطاووس الصغير) واسمه الكامل أبو عبد المنعم عيسى بن عبد الله الذائب، وكان مولى
لبني مخزوم وينسب إلى المدينة، إذ نشأ في دار أروى أم الخليفة عثمان. وبينما هو في
حداثته استرعت انتباهه ألحان الرقيق الفرس الذين كانوا يعملون في المدينة فقلد
أسلوبهم. ويقول ابن بدرون إن طويسا اشتهر في الأعوام الأخيرة من عهد الخليفة عثمان[12].
أما بالنسبة للآلات الموسيقية والمصطلحات
المختلفة في ذلك العصر، فإننا نجد بين الآلات الوترية المعزفة والمزهرة. وكانت
المعزفة شائعة في اليمن خاصة، وربما شاعت في الحجاز أيضا. وكان المزهر عودا جلدي
الصدر، وقد نال إعجاب العرب وإن احتل بعض مكانته العود ذو الصدر الخشبي الذي أتى
من الحيرة حوالي نهاية القرن السابق. ويظهر أن الطنبور كان محبوبا كثيرا في العراق
حيث نال الجنك الإعجاب أيضا.
ومن الآلات الهوائية كان الناي العمودي
معروفا باسم القصّابة أو القصبة، والناي الطويل معروفا باسم المزمار وهو الاسم
الذي كان يطلق على الآلات الهوائية الخشبية عامة، وكان النفير يسمى البوق، ولكنه
لم يستخدم في الحرب حتى ذلك الوقت.
والآلة الأولى بين آلات القرع هي القضيب الذي كان بحبوبا وشائعا عند أصحاب الغناء المرتجل، وكذلك كان الدف المربع آلة محبوبة لملاحظة الإيقاع أو الوزن، وكانت الضنوج الصغيرة من آلات الرقص، وأخيرا كان لفظ الطبل يطلق على جميع عائلة الطبول.
والآلة الأولى بين آلات القرع هي القضيب الذي كان بحبوبا وشائعا عند أصحاب الغناء المرتجل، وكذلك كان الدف المربع آلة محبوبة لملاحظة الإيقاع أو الوزن، وكانت الضنوج الصغيرة من آلات الرقص، وأخيرا كان لفظ الطبل يطلق على جميع عائلة الطبول.
·
الموسيقى في العصر الأموي (661-750 م)
عندما
استلم بنو أمية مقاليد الأمور من الخلافة الإسلامية امتدت الإمبراطورية العربية
شرقا حتى نهر جيحون وجبال الهندوس، وغربا حتى المحيط الأطلسي وجبال البرنس. فبدأ
بذلك ركب الحضارة الإسلامية يشق طريقه إلى المجد، فازدهرت بذلك الفنون والعلوم،
وانتقلت الموسيقى العربية إلى مرحلة جديدة.
فعندما أقام الأمويون خلافتهم في دمشق، أنشأوا لأنفسهم القصور بفاخر الرياش، وألحقوا المغنين بهذه القصور بعد أن عشقوا هذا الفن الجميل. وعلى الرغم من تشدد وتعصب خلفاء بني أمية أمثال عمر الثاني، فإن الموسيقى ازدهرت في عهد هذه الأسرة ووجد الموسيقيون مكانا رحبا في البلاد الملكي وعناية خاصة من الخلفاء الأمويين. فشجع عبد الملك الموسيقى وكان ملحنا مجيدا، كما كافأ الشعراء بالهبات العظيمة. وتولى الوليد الأول الحكم في مزدحم الحوادث، إذ رفع لواء الإسلام داخل حدود الصين في الشرق وعلى شواطئ المحيط الأطلسي في الغرب وعبر البحر الأبيض المتوسط، وأقيمت أسس خلافة عربية في إسبانيا. ويقول موير إن الثقافة العربية أخذت بالإزدهار في عصره فتقدمت الموسيقى تقدما سريعا جدا. وبالرغم من مشاغله الكثيرة فقد استدعى رأسي الموسيقى في مكة والمدينة ابن سريج ومعبدا إلى البلاط في دمشق واستقبلهما استقبالا يفوق استقبال الشعراء احتراما وشرفا.
وهكذا حذا حذوه بقية خلفاء بني أمية، فكان
بلاط الخليفة مليئا بالموسيقى، ونال هذا الفن أكبر تشجيع، اللهم إلا في عهود
معاوية الأول وعبد الملك وعمر الثاني. ونال المغنون والعازفون من الإحترام والمنح
الجزيلة ما لا يعادله شيء إلا في العصر الذهبي في العهد العباسي. فاسترجعت بذلك
الموسيقى والموسيقيون الى حد ما بعض ما كان لها ولهم من إعجاب وتقدير في حياة
العرب الإجتماعية. فلم تعد الموسيقى من عمل الرقيق بل نرى موالي ذوي مراكز
إجتماعية عالية يمتهنون الموسيقى.
ومن أبرز المغنين العرب في أول الحكم الأموي سائب خائر الذي أسبغ الروح العربية على الغناء الفارسي واستخدم العود بدل القضيب في الغناء، وسار على المنهج نفسه آخرون ممن تتلمذوا عليه أمثال إبن سريج ومعبد. ومن النساء عزة الميلاء وجميلة. ومن السمات الموسيقية لهذا العهد ظهور الأغنية الفردية التي كانت تأدى بمصاحبة العود. وفي عهد يزيد الأول المتوفي عام 683 م والذي لقب براعي الموسيقى العربية، نسمع لأول مرة عن وجود منشد البلاط أو منشد القصر. فقد كان شاعرا مجيدا، ويقول المسعودي أنه كان صاحب طرب، كما نقرأ كتاب الأغاني أنه كان أول من سمى الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين.
ويؤكد كروسلي هولان أن أهمية الأغنية العربية فاقت أهمية الموسيقى الآلية لفترة طويلة دامت حتى القرن العاشر الميلادي. وقد كان العود العربي بادئ الأمر ذا وجه من الجلد، واستمر كذلك حتى ظهر العود الفارسي المسمى بالبربط في مكة حوالي 685 م، وكان وجهه خشبيا، فأصبح العود العربي ذا وجه خشبي منذ ذلك التاريخ.
ولقد بدأ في ذلك العصر ابن مسجع، الذي لقب بأبي الموسيقى العربية القديمة، في وضع قواعد للعزف والأداء والتلحين. لذا سمي الغناء العربي في ذلك الوقت بالغناء المتقن. ومن خلال رحلاته في بلاد فارس وسوريا استطاع أن يتعلم كثيرا من النظريات والقواعد الموسيقية. فاستعان بفنه وعبقريته وموهبته وأبعد الروح الأجنبية عن طابع موسيقانا، وأدخل من التجديدات اللحنية ما استطاعت الأذن العربية أن تستوعبه وتتذوقه، ووضع أسسا وقواعد ونظريات للغناء وللعزف على العود والتلحين أيضا.
لذا يؤكد كثير من المستشرقين والمؤرخين على أن المدرسة الموسيقة العربية الكلاسيكية التي أوجدها ابن مسجع هي مدرسة قومية الطابع، وإن كانت تأثرت ولا ريب بمؤثرات فارسية وبيزنطية وإغريقية وغيرها من المؤثرات التي تحتمها نظرية سيولة الثقافة وامتزاج الحضارات، وببعض الزخارف اللحنية التي تستخدم في موسيقانا العربية حتى يومنا هذا، وانتقلت إلينا منذ ذلك العهد البعيد. ومن الإيقاعات التي كانت تستخدم بكثرة في الموسيقى العربية إبان العهد الاموي إيقاع "خفيف الرمف" وهو يشبه الوزن الغربي 10/8 وكذلك "خفيف الثقل" ووزنه 6/8، وقد ظهرت في ذلك العهد أهمية اللحن والإيقاع والزخارف اللحنية في موسيقانا العربية وظلت هذه الخواص حتى الآن أهم ما يميز الموسيقى الشرقية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة.
وبرز من المغنين بعد ابن مسجع وابن سريج وابن محرز، وكلهم سار على النهج الموسيقي الذي ابتكره أستاذهم ابن مسجع. وعلاوة على ما ذكر من مآثر الحكم الأموي، في الموسيقى العربية، فإن نظرة الزراية التي كان ينظر بها الخفاء والأشراف والنبلاء إلى الموسيقى والمشتغلين بها، خفت حدتها بل انتهت إلى الأبد وانقلبت إلى نوع من العضد والتشجيع لهذا الفن التعبيري الجميل ولكل من عمل في حقله. وفي ظل الحكم الأموي تأثرت الموسيقى العربية بنظريات الموسيقى اليونانية واستشفت بعض قسمات الموسيقى والغناء الفارسي. إلا أن ذلك لم يمنع من تغلب الطابع العربي. وفي العصر الأموي وضع يونس الكتاب كتاب "النغم" وكتاب "القيان" فمهد بذلك لانطلاق حركة فكرية موسيقية في العهود التي تلت.
أما بالنسبة للآلات الموسيقية فلم يطرأ عليها غير تغييرات قليلة وبقي العود سيد الآلات. وقد استعمله في العزف المنفرد أكبر الموسيقيين العرب في ذلك العصر. ويبدو أن العراقيين الذي كانوا يحيون الطنبور كانوا يستعملون العود ويضربون عليه.
وعلى الأقل نقرأ عن العود ذو الوترين في العقد الفريد في عهد بشر بن مروان المتوفي عام 694 م وكان وتراه يسميان الزير والبم. وكان الطنبور في ذلك الوقت شائع الإستعمال في الحجاز وسوريا، وكان هؤلاء الذين لا يزالون يميلون لأغني الجاهلية الوثنية القديمة غارقين في نغمات الطنبور الميزاني بسلمه الغريب. وكان للجنك أو الصنج عشاقه أيضا.
وأخذ الفنانون يكثرون من استعمال الآلات الهوائية الخشبية، إذ نقرأ مرارا عن المزمار الذي يعزف لحن الأغنية يرافقه العود، وكذلك اصطحبوا الطبل والدف لتمييز الإيقاع، فظهرت بوادر الفرقة الموسيقية.
وهكذا استمرت الموسيقى العربية تسير في
طريق الإنتعاش والازدهار حتى بلغت ذروة مجدها خلال حكم العباسيين.
خاتمة :
من خلال هذه التجربة البسيطة، في نبش ثغور
الفن العربي الاسلامي والأعمال الفنية العربية الاسلامية، خلال بداياتها
(المحتشمة)، وجدنا أنها تتميز بأصالة وبتفرد،
في الرونق والاناقة وأنها منتهى الإبداع، خصوصا في ما يتعلق بالأعمال التي
لها ارتباط كبير بالدين الإسلامي وليس فقط تحت رايته. فكلما كان ارتباط الفنان
المبدع بعقيدته، أي يعمل في سبيل الله، كلما كان الإتقان الذي يزيد من جمال العمل
ويعطيه الصبغة الفنية.
المراجع :
1.
عفيف البهنسي، جمالية الفن العربي، عالم المعرفة 1979، عدد 14
2. عفيف البهنسي، الفن الإسلامي، الطبعة الثانية، دمشق 1998
3. محمود البسيوني،
الاسلام والفن، مجمع البحوث الإسلامية للدراسات والنشر، 1992 ، ط 1
4. أحمد شوقي الفنجري،
الإسلام والفنون، دار الأمين، 1998 ، ط1
5. حامد سعيد، الفنون
الإسلامية-أصالتها وأهميتها، دار الشروق، 2001، ط1
6. محمد قطب، منهج الفن
الإسلامي، دار الشروق، 1983، ط 6
7. أنصار محمد عوض الله رفاعي، الأصول الجمالية والفلسفية للفن الاسلامي،
مكتبة الاسكندرية، 2002، ط1
8. A.Gayet : Art Arabe, Librairies-imprimeries
réunies, May & Motteroz, 1893
[4] A.Gayet : Art Arabe, Librairies-imprimeries
réunies, May & Motteroz, 1893, preface.
[8] احتدم الهجاء بين شعراء مكة والمدينة خاصة في المواقع الحربية ، ودارت النقائض
بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين ، فدافع شعراء المدينة عن الإسلام والمسلمين ودافع
شعراء مكة عن دينهم الوثني . وسمي هذا الشعر بشعر النقائض الإسلامية.
[9] كمال الدين سامح : العمارة في صدر الاسلام،
المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، ص3-4
بقلم الياس معاد
إسمـي الياس معاد مـن مواليـد سنـة 1989 ،بلـدي هـو المغرب، أهتم بمجال الفنون كلها بحكم مساري الدراسي و شغفي بالفنون السبعخريج الجامعة المتعددة التخصصات بورزازات شعبة التقنيات السمعية البصرية ; و السينما تخصص الصوت و الصورة خريج المعهد المتخصص في مهن السينما شعبة محرك آلياتي وكهربائي -أستاذ التعليم الابتدائي بورزازات -طالب باحث في المدرسة العليا للأساتذة بماستر التعليم الفني و التربية الجمالية بمكناسروابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات:
إرسال تعليق