إصلاحاتنا الفاسدة بقلم :الحسن اللحية
ما الذي يفسد إصلاحاتنا التعليمية الفاسدة و الصالحة منذ 1956 إلى اليوم؟ و هل فعلا كنا نفكر بمنطق الإصلاح حتى نفكر بمنطق غيره؟
إن المتتبع لتاريخ إصلاحاتنا في التعليم منذ 1956 إلى اليوم سيجد نفسه أمام مشاهد روائية تشبه روايات هتيشكوك البوليسية ، بحيث تعتقد و انت تتتبع أحداثها أن مفسد الإصلاح هم الجميع أو أن مصلحي الفساد أو الإصلاح هم الجميع كذلك. فأين الجاني إذن؟
إن لحظة التوقف عند هذا الحد من الفرجة، ونعني به لحظة الشك في الجميع كجناة ، هو اللحظة التي تعاش في المغرب عند كل توقف/ تأمل/ أزمة ما أصابت التعليم منذ استقلال دولتنا الفتية إلى الآن. و مما يعنيه هذا الأمر أن الجاني- المفسد ليس واحدا و ليس السبب وحيدا.
ذلك ما يمكن أن يستنتجه القارئ وهو يتتبع الإصلاحات الفاسدة منذ أكثر من خمسين سنة خلت. فقضايا إصلاحاتنا بالأمس القريب و البعيد هي قضايا اليوم و كأن المغرب لم يقطع يوما مع ماضيه، بل كأن المغرب مطمئن ليعيش ماضيه كحاضره ، و بالتالي فإن كل طفرة عن الماضي تجعله يعيش التيه. و هكذا فإن المستقبل بالنسبة لإصلاحاته هي تلويك الماضي و اجتراره بلغات و تعابير العصر، فتعدو بذلك إصلاحاتنا الفاسدة لحظات للتصالح مع الفساد و الماضي. فهل الإصلاح هو إجترار الماضي؟
إليكم بعض ما نعنيه بذلك:
منذ أول إصلاح بالمغرب و الجميع يطرح قضايا مثل التعليم العام و الخاص دون أن يكون لنا قرار شجاع في لحظة تاريخية ما تنتصر علانية لأحد أطراف الزوج المطروح. ومنذ فجر إصلاحاتنا كذلك ونحن نطرح قضية التعريب و اللغة الأجنبية الأولى و الإزدواجية اللغوية و هيكلة الأسلاك الدراسية ، و تعدد أنماط التعليم و مشكل الآفاق أو المخرجات ، بل منذ 1956 و نحن نتحدث عن محاربة الأمية والتربية الغير النظامية بلغة اليوم (الفرصة الثانية)، و الملاحظ أننا لم نقض على الأمية كأن المغرب محكوم عليه بأن يعيش الأمية الأبجدية بقدرية خاصة أو كأنه لا يستطيع أن يوجد بدونها لأنه مازال يردد نسبا مخيفة اليوم. فهل الأمية قدرنا؟ وهل الأميون رهائن من أجل شيء ما؟
قلنا ما زلنا نردد نفس القضايا منذ استقلالنا، و نضيف لمن يريد التأكيد أننا ما زلنا نتحدث مثلما تحدثنا في الماضي عن التكيف و الملاءمة و قلة البنيات و وظائفية المؤسسات والبرامج والمناهج و الكتب المدرسية ، و الوحدة والتعدد، و الطرق التقليدية في التعليم ، و هيكلة الأسلاك الدراسية و المخرجات ، والمضامين و الطرق التقليدية في التدريس ...إلخ، بل إن حديثنا اليوم هو حديثنا بالأمس عن المستوى الدراسي للمتعلمين و درجات تمكنهم من اللغات و العلوم ...إلخ.
يخيل إليك و أنت تتصفح إصلاحات بنهيمة أو العابدة كأن الأمس هو اليوم . فمن أين جاء هذه الاستنساخ والتكرار ، بل لماذا هذه السيزيفية القاتلة؟
مهما كانت الأحوال لن ننقلب إلى محقق في رواية هيتشكوك البوليسية لأن ما يهمنا هو المستقبل و ليس الماضي، ما يهمنا أن يشكل الماضي لحظة للتفكير في المستقبل لا اجتراره أو تقمص شخصية القاضي المنحاز؛ و لذلك سأقول بأن المسؤول عن مفاسد الماضي هم نحن جميعا و أن الطريق نحو المستقبل هو رفض هذه النحن الفاسدة وخلق مسافة معها. و لن يكون ذلك إلا باستعادة التفكير الجماعي في التعليم: أي تعليم نريد للمستقبل؟ و كيف يكون التعليم هو مستقبلنا؟
إن الطريق واضح و بداياته ابتدأت مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، و المفروض الآن هو التفكير في ميثاق جديد يواصل الحوار مع الميثاق (القديم)، مستحضرا المغرب في آنيته و مستقبله و كونيته و عالميته.
و بناء على ذلك نريد نخبا منخرطة في الإصلاح لا النخب التي تتبرأ من الإصلاح بتركه، نريد نقابات تفكر في ما ينبغي لا نقابات تفكر في المطلب وحده، نريد مدرسين و مدرسات و مفتشين و غيرهم مسؤولين فكريا و قيميا و ثقافيا لا مدرسين أو غيرهم يقومون بوظائف فقط...إلخ.
إن ميلاد إصلاحنا هو ميلاد دولتنا الوطنية المغربية المتعددة المتنوعة و لنا في الهند وكندا و غيرها من الدول خير مثال على ذلك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق