العالم يتغير من حولنا، حقيقة ندركها و نؤمن بها، فنحن نعيش في عصر الإنسان الميديائي، أو الرقمي،
عصر أصبح فيه جهاز الحاسوب و الهاتف الذكي امتدادا لجسم الإنسان، و هذا ما يلقي
على عاتق الأساتذة مهام تاريخية كبرى، كوسيط يساهم في التنشئة الاجتماعية، و يساهم
في التربية وفق ما تلقاه من تكوين و عدة بيداغوجيا، فهو مسئول عن إعداد الأجيال
الناشئة وإمدادهم بمكنزمات التعامل مع وضعيات الحياة المختلفة. فيغدو الأستاذ ذلك
الإنسان الراقي برسالته، الحامل للمعنى، و الخلوق بأخلاقية المهنة. في خضم هذه
المستجدات هل يستطيع الأستاذ أن يقوم بمهامه في أحسن وجه؟
الأستاذ الذي هو مطالب بالتفاني و الإخلاص في العمل وفق مقتضيات
العصر، وهذا ضروري، لكن واقع الحال مغاير، هذا ما يجلنا نطرح سؤال كلاسيكي، هو
كالتالي: هل الأستاذ حقا يعيد إنتاج نفس البنيات الاجتماعية؟ هل حقا يقوم بإنزال و
تطبيق كل ما تلقته أم أنه يرجح إلى الارتجالية و الخضوع لما هو كائن؟ أسئلة و أخرى
تؤرقنا و نحن نتناول هذا الموضوع.
بما أن الأستاذ سبق له أن تتلمذ على يد
الأساتذة، وفق مناهج و نظريات تختلف عن ما هو متعارف به الآن، فهل يحق لنا أن نوظف
مفهوم "النكوص" باعتبار أن الأستاذ يعود إلى مرحلة عمرية من حياته،
فيعمل على تقليد الأستاذ الذي علمه و أبهره بأسلوبه، ويعيد إنتاج نفس السلوك و
المواقف تحت طائلة "تعليم زمان"، فيتنكر بذلك لمقتضيات العصر الحاضر،
فالتدريس يحتاج إلى إبداع و ليس التقليد، حتى نحرر في المتعلمين روح الإبداع
والانفتاح، إضافة توظيف الوسائل المعلوماتية في التدريس لا يمل المتعلم، وفي نفس
الوقت نبده بآليات يدرك من خلالها كيف التعامل مع وسائل الاتصال، لأننا نجد في أخر
المطاف أن الإنسان مشرع منفتح على العالم.
من هذا المنطلق يحق لنا أن نتحدث عن إعادة
الإنتاج، باعتبار هذا المفهوم له وزنه، لكن ماذا يُعِيُد إنتاجه هذا الأستاذ؟ و هل
هناك إنتاج حتى نتحدث عن إعادة الإنتاج؟ إن هذا الموضوع يجعلنا ندخل إلى قاعة
الدرس، و نلامس العلاقة التفاعلية بين الأستاذ والمتعلم.
بما أن الأساتذة الشباب الذين يتميزون بنوع من الحماس، يحاولون
ممارسة وتطبيق وتجريب أحدث النظريات التربوية التي تلقوها في مراكز التكوين، ومع مرور
الوقت والاحتكاك بواقع التدريس سرعان ما تتغير أفكارهم و مواقفهم. فكل ما تلقوه من
دروس خلال سنوات الدراسة الجامعة، أو خلال التدريب الميدان، وكل ما قرءوه من
تشريعات تربوية، أصبح مطلبا مثاليا يندرج في خانة ما يجب أن يكون، فيلاحظ شرخ واضح
فيما هو كائن. فيعمل بذلك على إعادة إنتاج نفس البنيات الاجتماعية.
هناك مجموعة الأمور التي تتفاعل لتؤدي إلى النتيجة السابقة،
منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي، من بينها مبادئ الجماعة وأفكارها وثقافتها، بفعل
الضغط الذي تمارسه هذه الجماعة المرجعية. فمسايرة الجماعة تتطلب من الفرد التخلي
عن مبادئه وسلوكه ومعتقداته، واستبدالها بأخرى بديلة يفضلها أشخاص آخرون، حتى لو
كانت الأفكار والمبادئ البديلة خاطئة أو متخلفة؛ كشرط ضروري للاستجابة وفقا لعادات
الجماعة ومعاييرها، كما يقول أحد الباحثين في هذا المجال.
هذا ما يجعل بعض الأساتذة يلجئون إلى حلول سريعة، كالاستنجاد
بالعنف والضرب، ويتضرعون بمجموعة من الأعذار التي تخفي نوعا من الجهل و مصادرة
حقوق الطفولة، وعدم بدل مجهود من أجل تفادي هذه الحلول.
من جهة أخرى كيف يمكن لإنسان أن ينتج الجودة المنشودة يراعي
فيها روح العصر، يشتغل في ظروف صعبة جدا تنعدم فيها الوسائل التكنولوجيا، لنتيقن
أننا نعيش شرخا في المجتمع، و هذا ما يفسر تخلي الأساتذة الشباب عن بعض أفكارهم،
فيلجئون إلى التقليد.
توفيق الراوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق