إن السعي
وراء الموضة قضية اجتماعية خطيرة تواجه مجتمعاتنا في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية
متردية، ولاسيما الشباب الذين يتزايد اهتمامهم بها ،وأصبحت تشغل حيزا كبيرا في
حياتهم . ذلك أن اتباع الموضة تجاوز البحث عن الظهور بشكل جميل ومقبول إلى ما أشبه
بالهوس بآخر الصيحات والصرعات في مجال التجميل والملابس .
ولا يختلف اثنان على أن الاهتمام بالموضة لا يخص جنس دون آخر ولا النساء دون
الرجال ،وعلى الرغم من أن البعض يرى في اتباع الموضة مساوئ كثيرة منها إهدار الوقت
وتبذير الأموال وفسخ للشخصية بالتقليد الأعمى للآخرين، والدخول في حلقة مفرغة من
خلال الركض وراء مجاراة صيحات الموضة التي تتغير بشكل سريع جدا واستغلال المرأة
للتسويق والبيع وضياع الهوية العربية والمميزات الخاصة للشخصية العربية وثقافتها
وتراثها . فماهي الأسباب التي تقف وراء الهوس بالموضة ؟وما هي تأثيرات وانعكاسات
هذه الظاهرة على حياة وشخصية الفرد ؟
من منا لا يتأثر بالموضة وبعضنا يدمن عليها لدرجة قد يصبح من ضحاياها، وذلك يرجع
للنفس البشرية التي تتوق للجمال وتعجب به . مواقف مختلفة لشريحة من المجتمع
استطلعنا آراءها، مظاهر شتى والدوافع متعددة، شباب هنا وهناك بين التقليد والاختيار
منهم من صنفوا أنفسهم في خانة أصحاب الذوق الرفيع.
ضحايا الموضة
"سليمة" في عقدها الثاني تعمل في إطار العمل التواصلي لوكالة الاتصالات،
شابة جميلة القوام، ترتدي ملابس ضيقة و قصيرة ذات تسريحة شعر مصففة. عندما سألناها
عن الموضوع أجابت قائلة : « مظهري أساسي ومهم جدا بالنسبة لي لذلك لا أستطيع أن
أمنع نفسي من التجول في الأسواق وشراء آخر صيحات الموضة ،هذا لكي يكون شكلي مواكبا
لآخر خطوط الموضة.» وأضافت : « إذا كنت أنيقة وجذابة سأترك بالتأكيد انطباعا جيدا
لدى الآخر وهذا شيء مهم جدا على المستوى المهني والشخصي على السواء ،وبالتالي فإن
الحرص على الحفاظ على شكلي أنيقة بمواكبة للموضة أمر مهم جدا في العلاقات
الاجتماعية والنجاح في الحياة». أي أن الملابس أصبحت في ظل هذا التطور السريع
والكبير الذي يعرفه العالم لغة تخاطب وتعبر عن الذات والشخصية والانتماء. هذا ما
أكده "عثمان" 24 سنة خريج معهد التكنولوجيا بسلا الذي أبدى وجهة نظره
بالموضوع انطلاقا من تجربته الشخصية قائلا : « قد أكون من الناس الذين ينطبق عليهم
مفهوم "ضحية الموضة" لكنني أظن أن أغلب الناس اليوم في العالم أجمع وفي
عالمنا العربي أيضا ضحية للمظاهر ذلك أن الحكم الأول على الشخص يكون عبر مظهره
الخارجي وبالتالي فالرسالة الأولى التي يتلقاها الشخص الذي أتعامل معه يكون من
خلال مظهري وملابسي " ويبرر موقفه بصيغة المذكر موضحا :" أنا رجل ومن
حقي أن أفعل أي شيء ولا يهمني أي أحد لأن المرأة هي التي ينبغي ألا تلتزم بالموضة.
»
الركض وراء مجاراة صيحات الموضة التي تتغير بشكل سريع جدا أصبح شعارا عند البعض
الموضة جزء لا يتجزأ من حياتي هكذا بدأت "أسماء" 20 سنة في الحديث عن
شغفها في اتباع الموضة ،صرحت : « ليس من السهل أن لا أتبع الموضة وخصوصا في ظل هذا
التطور الكبير والضغط الإعلامي الهائل للبرامج التلفزيونية والإشهارات ،ومن غير
هذا فأنا أرغب في أتباعها مثل زميلاتي لأن الموضة هي محور حياتنا والموضوع الذي
يسيطر على أحاديثنا كما أن أغلب لقاءاتنا تكون في الأسواق للاطلاع على أحدث
الموديلات والماركات من أجل اقتنائها » .
غاية هذا الهوس للموضة تحقيق رغبة الشراء دون الحاجة إلى الارتداء مع تبذير الكثير
من المال صرحت "هاجر" : « أنا ضحية للموضة التي تتطلب مني أموال كثيرا
لشراء ملابس وإكسسوارات لا تلزمني بدون جدوى في ظل خزانة مليئة بكثرة الثياب
وتنوعها وهذا من أجل الحفاظ على الموضة الشيء الذي ينشب الكثير من الخلافات في
أسرتي إذ تقول أمي "الله يهديك حتى تسالي دوك الحوايج لي عندك عاد شري من
جديد " بمعنى أن أرتدي أولا ما تحمله خزانتي مقابل شراء الملابس التي ترتديها
الخزانة. وأبعد من هذا تقول أمال 18 سنة " أضطر أحيانا لأن أعمل في وقت الفراغ
من أجل شراء بعض التويشيات التي لا يستطيع والدي اقتنائها »
ليست مسألة اختيار مطلقة
كريم 28 سنة ( موظف) ينطلق أولا من تعريف الموضة :« كأنها كيس يحتوي على مخرجان
نضع فيه الملابس القديمة ومع مرور الوقت تتسرب من المنفذ الآخر لتحل مكانها ملابس
أخرى وهكذا دواليك ». وفي مسألة مواكبة الموضة يجد نفسه مجبرا ،بما أن ليس بيد
الشباب هامش كبير في الاختيار، ويصبحون مجبرين على التكيف بما يقدمه المصممون خاصة
والسوق بصفة عامة. ويعزز رأيه قائلا : « مثلا إذا أردنا أن نرتدي ملابس السبعينات
الآن فإننا حتما لن نجد ذلك ،وبالتالي السوق هو من يحدد ،وهذا في حد ذاته تسويق
لموضة ما ،إذن هنا لا تبقى مسألة الاختيار، لكن هذا لا يمنع من أن ننقاد كليا تحت
تأثير هذه الموضة التي هي بالدرجة الأولى صناعة. » وعن رده بخصوص اتباع الموضة
يقول :« أنا أتبع الموضة لكن أحيانا حينما تروق لي بعض الأشياء التي تبدو بالفعل
جميلة وذات ذوق ،ربما هذا يتعلق بخصوصية الجنس عموما ،لأن المرأة هي أكثر من الرجل
إتباعا للموضة فهي تحب التسوق ، ولاسيما أنها كامرأة تتأثر بما هو جديد خصوصا إذا
كان هناك إشهار. »
وفي نفس السياق ترى " أميمة " طالبة علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض أن
اتباع الموضة أمر لا بأس به شريطة ألا يكون تقليد أعمى وتقول : « أنا أساير آخر
صيحات الملابس لكن لا أرتدي إلا ما يناسبني لأنه إذا انسقت وراءها فربما سأخرج
عارية إلى الشارع ( تضحك ). » مشيرة إلى أن : « هذه الموضة تعرف ثورة مستمرة بمعنى
"الزواق" في المعنى العامي ، ففي كل فصل ،بل في كل يوم ،نرى أشكالا
جديدة قد تبدو غريبة و خارجة عن المألوف فهل يصح لنا ارتداؤها؟» فتجيب عن سؤالها
:« لا يصح بتاتا لأننا بشر وليس قطيع لنتبع كل ما ظهر في السوق » .
«أن يكون مظهري لائقا وغير مخالف لتقاليدنا العربية »هذا ما ذكرته
"إكرام" مؤكدة فكرة صديقتها "أميمة " وأضافت : « رغم أنني
ألبس على الموضة لكنني مع ذلك لا أظن أن كل شيء فيها يناسبني لذلك أحرص على
اتباعها مع اختيار ما يناسبني » .
يرى بعض أخصائيو علم النفس والاجتماع أن الشباب بصفة عامة والمراهقين بالخصوص
يبحثون عن التفرد والبروز وجلب الانتباه والحصول على القبول الاجتماعي ،وأن
الاهتمام بالمظهر الخارجي هو شكل من أشكال التعبير والتواصل يعكس جوانب من شخصية
الفرد ،كما أن هذه الفئة ،بسبب عدم اكتمال نضجها الفكري، عرضة أكثر من غيرها
للتأثيرات الخارجية وخاصة من وسائل الإعلام المتنوعة مثل القنوات التلفزيونية
والأنترنت وغيرها ،وبالتالي فليس من الغريب أن تكون ضحايا الموضة أغلبهم من
المراهقين والشباب.
وهذا ما خلص إليه الباحث عبد الرحيم العطري في كتابه " سوسيولوجيا الشباب
المغربي, جدل الإدماج و التهميش" حيث يقول : « من هنا نصل إلى الشباب و هوس
الموضة، فهذه الفئة هي أكثر استسلاما للموضة، هذه الأخيرة هي النمط أو النموذج
المختلف عن السابق و عن اللاحق، إنها وجود خاص في الزمان و المكان. إضافة أنه لا
يمكن اختصار الموضة في اللباس فقط، و البحث عن العلامات التجارية الشهيرة، بل
تتعدى ذلك، فتقترن بالتزيين والتجميل والهندسة المعمارية والسيارات والمحادثات
والكلام والقاموس اللغوي والآداب، والموسيقى..
ويرجع الأستاذ العطري هوس الموضة إلى أسباب نفسية و أخرى اجتماعية، فالشباب طاقة
صراع ضد الشيخوخة، و هو بحث عن التجديد، مما يجعل الشاب يؤمن أن المستقبل أمامه لا
خلفه، و مجده في المستقبل لا في الماضي، فيستبدل الأقدمية بالكفاءة، فنصل إلى
حقيقة وهي تفضيل الموضة على التراث . وما يزيد من حدة الأمر إنتاج هذه الموضة، في
ظل هذه النماذج السائدة، هي نابعة من ثقافة غربية، مــما يـطـرح ســـؤال الاغتراب،
و البحث عن التقليد، فهناك فــرق بــيـن إنتاج و بين الاستهلاك.
وبخصوص هذه الجدلية في مسألة البحث عن التقليد وطمس الهوية المغربية، يجد السيد
محمد البرودي طالب باحث في علم النفس أن الموضة في اللباس هي تعبير عن حس فردي
ووعي جمعي بضرورة الإيمان بالحريات الفردية لدى الأشخاص.وبطبيعة الحال فإن المجتمع
المغربي بدوره يساير هذا التطور الثقافي والاجتماعي ..الخ ،إلا أن هناك بعض الآراء
المتطرفة التي ترى في هذه الموضة هي اقتباس من الغرب ولا تمثل مطلقا هويتنا
الاجتماعية ،لكن بالعكس من ذلك ،يرى أن الموضة سواء عند الرجال أو النساء هي تعبير
عن شيء له قيمة ودلالة رمزية عند هذا الشخص الذي يساير هده الموضة،وهي في نفس
الوقت تجسيد لثقافة الانفتاح على باقي الحضارات والثقافات الاخرى.
ويرى الأستاذ والباحث توفيق الراوي أن شباب اليوم يعيش في زمن سريع و متقلب، و
بفعل الإقبال على وسائل الإعلام بجميع تلاوينها يجد الشباب أنفسهم أمام مجموعة من
الأنماط المختلفة المرتبطة باللباس و الأطعمة المتناولة، و كذلك في اللغة
المستعملة، هنا نتحدث عن الموضة كالنموذج الذي يتبعه الشباب من أجل التعبير
للمجتمع أنهم يعيشون حداثتهم سواء باللباس أو تسريحات الشعر أو الماركات التجارية
أو اللغات المستعملة. إذ أصبحت الموضة هم الشباب، و أصبح نوع من التواصل، فالبعض
يبحث عن التعبير عن ذاته بطرقة يرى أنها عصرية كالرقص في الشوارع مثالا لا حصر.
البعض يقول أن الموضة هي تقليد للغرب، و هناك من يرى أنها طريقة للتعبير عن الموقف
من المجتمع بالإقبال على أشكال قد تبدو غريبة عن مجتمع معين.
ونستنتج مما سبق أن من الشباب من يقبل على الموضة عن اقتناع و إيمانه أنه حر سوف
يعيش شبابه كما يحلو له. و هناك من يراها تقليدا والإقبال على منتوج غريب بعد عن
الثقافة المحلية. و الأهم من ذلك أنه نمط و نموذج يتبعه الشباب إلى حد الهوس عند
البعض بالبحث فقط عن أخر الصيحات في كل شيء حتى التفكير، و لا يجب إغفال وسائل
الإعلام(المجلات التلفاز الأنترنيت...) لما لها من دور في نقل هذه النماذج و
الصيحات وتعمل كذلك على صناعة الأذواق و النماذج و هذا خطير، فبمنط الاستهلاك تروج
للشباب إذا أردت أن تكون من شباب اليوم عليك أن ترتدي هذا و تفعل هكذا...
من الصعب الوصول في هذا الموضوع إلى استنتاجات جازمة ذلك أن الأمر ذو أوجه متعددة
قد تصل إلى حد التناقض فلا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الاعتناء بالمظهر الخارجي في
التواصل الاجتماعي ،ولا يمكن أيضا الجزم بان اللباس مجرد شكل لا يعكس باطن الإنسان
فهناك نظريات نفسية تؤكد أن اختيار ملابس وألوان معينة يعكس شخصيات مختلفة ورغم
اختلاف وتعدد وجهات النظر فيما يتعلق بمدى الاهتمام بالموضة واتباعها ،فإن ما يتفق
عليه الجميع ،المعتدلون في الاهتمام بمظهرهم و"ضحايا الموضة" أنفسهم ،هو
الاعتدال واحترام اضوابط الاجتماعية وعدم التعدي على حرية وشخصية الآخر فاللباس
يبقى طريقة في التخاطب والتعبير والتواصل ،ورسالة تعكس شخصيتنا وهويتنا وانتماءنا
وتضع ذوقنا وثقافتنا وطريقة تفكيرنا على المحك لأن هذه الرسالة هي أول ما يتلقاه
الآخر ليحكم على شخصيتنا وسلوكنا.
وختاما عالم الموضة لا ينتهي ووتيرته متسارعة جدا ومن المهم أن نواكب التجديد لكن
الأهم أن نعرف ما يناسبنا وبعدها نتبع هذا التطور السريع الذي لا يعرف نهاية
للابتكارات من كل ذلك يمكننا القول إن كل جيل يحدث نوع من الثورة في العالم وفي
مختلف الميادين ،لكن هذا لا يعني أن نتبع كل ماهو دارج في العالم ،فمن المهم
المحافظة على الطابع الخاص لكل منا وقبل كل شي أن لا تتنافى مع عادتنا وقيمنا
المجتمعية ،وحث أولادنا على خوض غمار التجديد الدائم لكن مع المحافظة على أصولنا
وهويتنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق