اختر لون الخلفية المفضلة لديك

    أسامة حمامة•
الفوتوغرافيا في المغرب ... أشواط قبل الاحتراف
شهد مزاولة التصوير الفوتوغرافي في المغرب قفزة نوعية وتصاعدا ملموسا في السنين الأخيرة، والذي ساعد على انتشار هذه الهواية وخصوصا بين الشباب هو الكاميرات الرقمية التي سمحت بممارستها بشكل كبير عكس أيام الكاميرات الفيلمية التي كانت مكلفة نوعا ما.
فالتصوير ثقافة، وفن، وجمال، وأناقة، وامتهان رائع لموهبة ترقى لطبقة المثقفين في المجتمع. فكلنا يقف مشدوها أمام هذا الصندوق الصغير الأسود المليء بالأنوار والبارع في تثبيت لحظات تأبى النسيان. فأي مستقبل لمجال التصوير الصحفي؟ وما أسباب التخلف وشروط النجاح ؟
حقيقة وضع فن الفوتوغرافيا في المغرب
لا شك أن التصوير الفوتوغرافي بالمغرب عرف ثورة عارمة كباقي الدول العالمية مع بزوغ تقنيات سهلة المراس، والتي سادت كالملح في البحر من الهاتف النقال إلى أعقد آلات التصوير الرقمية المحترفة الموجودة على الساحة، لكن في ظل غياب تاريخ واضح المعالم وانعدام الثقافة الفنية والبصرية، يبقى هذا التطور يزحف بسرعة السلحفاة رغم التقدم التكنولوجي الذي خلق معدات لكنه لم يعط إلا القليل من المصورين.
مع كامل الأسف الصورة المهنية التي لا تختلف عن الصورة الصحافية والإعلانية هي السائدة في المغرب، ولا نجد سواها بالمعارض التي تقام هنا وهناك.
هذا يعكس النظرة المهنية التي يطل من خلالها المصور المغربي على فن التصوير الفوتوغرافي، ما يجعل التباين حالة نادرة بين الأعمال المختلفة، وستبقى مساحة الصورة الصحافية دون الرقي إلى تصنيفها ضمن الفنون التشكيلية.
جوهر الاختلاف بين ما هو فني وما هو مهني شاسع، والفرق يكمن في التوثيق بأي شكل من الأشكال واقتناص الأوضاع الجاهزة بالنسبة للصورة الصحافية، أما الصورة الفنية فهي تعبير عن نظرة متفردة وعميقة وأفكار وأحلام وهواجس وأحاسيس وتطلعات ورؤى خاصة بالفنان.
السؤال هنا هو هل سيرقى التوثيق المهني والإعلان المهني، مع اللمسة الفنية، إلى الفنون التشكيلية التي يندرج تحت لوائها التصوير الفوتوغرافي في مجمله؟ إذا بقي التصوير مهنيا صرفا فسيبقى يراوح مكانه دون تحقيق أي مرام …
إنجازات المصورين الصحفيين المغاربة؟
لازالت إمكانات المغرب في العدة والعتاد متواضعة مقارنة بالدول العربية، فما بالك إذا ما قورنت بالغرب ... !! رغم أن التصوير الصحافي بالمغرب لا يحتاج إلى حنكة كبيرة في المجال، لأن هناك فرق كبير بين التوثيق الذي يعتمد على نقل الواقع كما هو لتسجيل الحدث فقط، وبين الفن الفوتوغرافي الذي يتطلب ثقافة فنية معمقة في الموضوع، وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه: هل كل من حمل كاميرا رقمية هو مصور صحفي؟ هناك من حملوها أكثر من ثلاثين سنة وليسوا بمصورين.
الصورة الصحفية صعبة الالتقاط، وقد تكون محفوفة بالمخاطر أحيانا ولكنها سهلة التقنية، لأنه لا يطبق عليها شروط التعريض والحدة والقواعد المتعارف عليها لنجاح الصورة الفنية، الصورة الصحفية يمكن أن يلتقطها إنسان عادي، يكفيه، فقط، أن يوجد بالصدفة في مكان الحادث.
أما عن التصوير الصحافي الغربي فهو أكثر تطورا من ناحية الإمكانات والتقنيات العالية الجودة، على سبيل المثال: الميزانية السنوية لجريدة واحدة أمريكية تعادل ميزانية دولة إفريقية لمدة 3 سنوات.
هناك مثل يقول إذا ظهر الفرق تستحيل المقارنة..
لا شك أن المنظمة العالمية للتصوير الصحافي قامت بعقد برامج تدريبية على شكل حلقات دراسية وأقامت معارض بالعديد من الدول العربية منها مصر، ودبي، والبحرين، ولبنان، وعمان والمغرب. ويقول مايكل مونيك المدير الإداري للمنظمة : "لقد قمنا بعقد في لبنان ومصر في التسعينيات.. ونحن الآن بصدد تحديد الشركاء المناسبين للعمل معهم في المنطقة علاوة على البحث عن مصادر التمويل. ولكن نظراً لعدم بلوغ "الصحافة التصويرية" مرحلة النضوج في عالم الصحافة العربية، فربما كان لزاماً علينا أن نؤسس ورش عمل ليس فقط للمصورين بل وأيضاً لمحرري الصور ومديري التحرير، لكي نبرهن لهم على قدرة الصورة على تقديم الخبر وليس توضيحه فحسب".
ماذا يحتاج المصورون المغاربة ليصبحوا محترفين؟
يقول المصور والصحافي المغربي عبد الله العفير:" التصوير بحر من المعلومات، وهو كسائر العلوم يعتمد على التجربة والاستنتاج. ولضمان سقف الاحتراف يجب إنشاء مدارس ومعاهد لتخريج المصورين كما هو الشأن بالغرب".
الاحتراف كلمة مطاطة ولها عدة معاني وعندما نسأل من هو المحترف ؟ نقف عاجزين عن الجواب الشافي، الخطأ الشائع يقول إن المحترف هو الذي يكسب رزقه اليومي من التصوير، وهذا علميا لا يعني أي شيء على الإطلاق.
وهناك من يحرز على هذا اللقب بالتقادم في الميدان، وهناك من يجد واسطة لتبوء مكان مرموق في مجلة أو شركة تصوير كبيرة وما إلى ذلك من الطرق الخاطئة التي تعطي هذا اللقب المزيف لأشخاص بعيدين كل البعد عن القيمة الحقيقية.هذا لا يمكن مقارنته بالقواعد الديمقراطية الغربية الصارمة التي لا تعترف إلا بالشخصيات الفذة المشهود لها بالكفاءات العليا.
والذي لا يعرفه جل الهواة هو أن أي كاميرا كيف ما كان نوعها أو إمكاناتها يمكنها أن تلتقط صورة احترافية، لأن أي كاميرا ليست إلا وسيلة لتطبيق مراد المصور، ولكنهم يسارعون إلى اقتناء الكاميرات العالية المواصفات لأنها دخلت في المظاهر وتكميل الشخصية كالموبايل الفلاني والسيارة الفارهة وما شاكله، وعندما تسألهم عن الفتحة والسرعة والوايت بالونس والحساسية تجد أنهم لا يفقهون شيئا ... !!
هذا يحيلنا إلى التنويه بأن أول ما يشترط في المتطلع للاحترافية هو أن تكون لديه الموهبة وأن يتتلمذ على يد محترف محنك.
نحن أحرار قد نكون مع هذا الطرح أم لا، هناك من يعزو الاحترافية إلى عدد المَعارض الشخصية والجماعية التي أقامها محليا وإقليميا ودوليا، وعدد أعماله التي تم اقتناؤها من قبل المؤسسات المتخصصة والإعلامية والشخصيات الفنية، وحتى من متذوقي الفوتوغراف. وكم من شهادات التقدير والخبرة التي منحت له تقديرا لأعماله من المؤسسات المتخصصة، وكم من الجوائز قد حصل عليها.
يمكن القول إن الاحتراف هو مجهود وتعب مضني وممارسة وتجارب للخبرات العلمية، وصقل وتعميق للتجربة بسنوات الخبرة التطبيقية.
المعوقات التي تعترض المصور في أول طريقه
أهمها قلة الحيل والعشوائية الارتجالية في العمل، وكل شيء خارج المناهج العلمية والمادية، وكل معرفة عميقة بالميدان مع يسر ذات الكف ستساهم بإسهاب في تدليل العقبات; ركوب أمواج بحر التصوير ليس سهلا لكن بالعلم يسهل ترويضها, اقتحام المجهول والخوف من جبل عاتي من المعوقات التي يجب إزاحتها من الطريق ليس سهلا.
الطموح والتطلع والتشبث بالميدان يمكن أن يكون حلا ناجعا للوصول, يجب أن نقر بالمثل الذي يقول: "عندما نكون مبتدئين نفتقر إلى التجربة".
والبدايات دائما تكون صعبة، هناك مشكلة ضمنية خارج إرادة المصور تكمن في هشاشة التكوين البنيوي، والعشوائية في التنظيم العام للمؤسسة الصحافية بالمغرب، علاوة على أن الصحافة لازالت، حتى اليوم، رغم كل الجهود المبذولة، تعتبر مهنة من لا مهنة له، في ظل هذه الظروف كيف يستقيم الظل والعود أعوج..
المصور المغربي ومسابقة صحافة العالمWorld Press Photo
رغم الانتكاسة التي تعرفها الصحافة العربية وقلة الدعم والموارد، وهزالة رواتب المصورين الصحافيين الشهرية، وعدم كفاءتهم المهنية، فإن الصورة ستبقى دائما وليدة الحظ المطلق، فالوجود في المكان المناسب والوقت المناسب هما العاملان الأساسيان لإحراز هذه الجائزة، فقد سبق وأن فاز بها بعض العرب كالفلسطيني أحمد جاد الله- وكالة رويترز- والجزائري حسين لصالح وكالة -AFP- فهذا يدل على أن الفوز ممكن مع الإصرار والسعي وراء ذلك.
وأخيرا يبقى السؤال الذي لا مناص منه، والذي يُعرف به المصور الحقيقي عن غيرك، ماذا قدم المصور الصحفي للصورة الصحافية في المغرب؟
لابد، إذن، من تبني فلسفة النقد الذاتي والتحليل الأكاديمي الصارم الذي يدخل في إطار تفاصيل النظريات العلمية البحتة، والتي تخص أبعاد التقنيات الفنية التي تكون العناصر الحقيقية لجماليات الصورة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق