موضوع لا يخلو من أهمية، موضوع يبقى له الأثر الإيجابي في مجال حرية الرأي والتعبير، وفي ترسيخ مبدإ الديمقراطية المنشودة، وكذلك في إطار احترام أخلاقيات العمل الإعلامي كما هو متعارف عليه دوليا. فقد عبرت الأمم المتحدة في مقدمة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على أن" الدول الأطراف فيها تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها مما يقوّض مؤسسات الديمقراطية والقيم الأخلاقية والعدالة ويعرّض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر .. "
الفساد هو إساءة استغلال لوظيفة تنطوي على سلطة، وهو أيضا الإتيان بأفعال تمثل أداءً غير سليم للواجب من قبل الشخص المسؤول.
ولعل موضوع "دور الإعلام الجهوي في محاربة الفساد"، يحتم علينا الحديث أولا عن مدى وجود إعلام جهوي مهني وفاعل يحترم العمل الإعلامي بأخلاقياته وبالمهنية المطلوبة.. كما يحتم علينا أيضا الإجابة على مجموعة تساؤلات من قبيل: الدور المفترض لوسائل الإعلام الجهوية أو الوطنية على حد سواء، باعتبارها وسائل رقابة التي تعبر عن تطلعات المجتمع، وما مدى تعامل مختلف الإدارات والمصالح المحلية مع الإعلام الجهوي بحكم أنها المصدر الرئيسي للخبر.. ثم هل نتوفر على وسائل إعلام ذات مصداقية واحترافية في عملها الإعلامي..
من المتعارف عليه أن وسائل الإعلام هي بمثابة أداة ربط بين نبض المجتمع، أي الرأي العام والدوائر الرسمية المحلية والوطنية، وهي أيضا بمثابة خلية تعمل وتجتهد لأجل إيصال ما يجري على أرض الواقع إلى الدوائر المسؤولة، وبالتالي فهي دائما بمثابة حلقة وصل تعمل على نقل الأخبار وتقديم وتفسير الأحداث والوقائع التي تثير حفيظة الرأي العام.
غالبا ما تكون العلاقة بين وسائل الإعلام الجهوية بالدوائر الرسمية المحلية، علاقة موسومة إما بالمحاباة أو بالمجافاة.. إما التقرب والتودد لغاية في نفس يعقوب، وإما العداء ونهج سياسة الهجوم دون احترام للأخلاقيات...
الإعلام الجهوي جزء لا يتجزأ من منظومة الرأي العام الجهوي، وهو بذلك عين الرقيب الذي يمثل المجتمع، يعمل على تقديم وتوضيح كل ما يهم الرأي العام، ودوره الأساسي الحرص كل الحرص على تقديم كل ما يثبت وجود فساد، ( الخروقات، الاختلاسات، القرارات التي تفضي إلى وجود فساد، هدر المال العام، آفة الرشوة، الزبونية والمحسوبية، استغلال النفوذ، استغلال أملاك وموارد المدينة، ... ). وبالتالي يبقى السؤال المطروح هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الوسيلة الإعلامية الجهوية لفضح هذا الفساد، ثم الطريقة المثلى للتعامل بطريقة قانونية.
يمكن للإعلام الجهوي أن يلاحق ويكشف المفسدين بمهنية وباحترام تام للأخلاقيات، دون السقوط في متاهات الاتهامات التي تكون بدون حجج مادية، ويمكن للإعلام الجهوي أن يساهم في الحد من الفساد كيف ما كانت اتجاهاته، وذلك بنهج سياسة واضحة المعالم ترتكز أساسا على المصداقية أولا وثانيا وأخيرا. لكن لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يحل الإعلام محل السلطة القضائية التي لها كلمة الفصل.. وهنا يأتي التساؤل العريض حول استقلالية القضاء والقضاء النزيه الذي يمكنه محاربة الفساد.
لا شك أن الفساد بجميع أشكاله يهدد استقرار المجتمع، ويقوض القيم الأخلاقية التي يجب أن تحترم. وللإعلام الجهوي دور في محاربة ذلك الفساد.. لكن ألا ترون معي أنه من الواجب أيضا أن نوجه نقدا ذاتيا للجسم الإعلامي نفسه الذي يعتبر بعضه فاسدا وجب إصلاحه وردعه من الممارسات اللاأخلاقية؟؟ كيف لنا أن نتحدث عن التصدي للفساد وللمفسدين والبعض ممن ينتمون للجسم الإعلامي يتعاملون مع الملفات والقضايا بمحاباة وبأظرفة مادية أو معنوية؟ كيف يمكن الحديث عن إمكانية محاربة الفساد من طرف جسم لا زال يتخبط في إشكالية التمثيلية القانونية؟ كيف لوسيلة إعلامية تبحث عن دريهمات لطبع بعض صفحات تأكلها شمس فاس المحرقة في عز قيض الصيف وتتناثر عليها أوراق الخريف ويبللها ماء الشتاء؟
لنكن موضوعيين، ولنتوفر على الشجاعة الكاملة لنبذ كل ما من شأنه أن يسيء للعمل الإعلامي الذي يجب أن يكون نزيها ومنزها عن كل الشبهات.
لمَ لا نفكربجدية في اقتراح عملي من أجل الخروج بالصحافة الجهوية من مأزق الفردانية الضيق الذي تتخبط فيه، إلى رحاب العمل المؤسسي الاحترافي.. لمَ لا نفكر في تكتل كل من له دراية وغيرة على الصحافة الجهوية، والعمل على خلق مؤسسة إعلامية تجمع كل الصادقين من رجال ونساء الإعلام بمدينة فاس الغراء.. العمل الجماعي في إطار مؤسسي وتوحيد الجهود من أجل إصدار منبر إعلامي واحد، قوي، مهني، يحترم أخلاقيات العمل الصحفي، ويكون الصوت الإعلامي الجهوي للمدينة، أو بالأحرى للجهة بما أننا بصدد العمل على إخراج نموذج جديد للجهوية في المغرب.. وبالطبع دون أية نية لإقصاء أي صوت يرى في نفسه صوتا نزيها بإمكانه محاربة الفساد.
ربما يحلم نحلم بالمدينة الإعلامية الفاضلة، لكن على الأقل لا يكلفنا الحلم شيئا...
حسن اليوسفي المغاري
تاريخ النشر: المجلة المغربية
08 ماي 2012
0 التعليقات:
إرسال تعليق