قسَـم الإخـوة هـوراتـي
للفنان الفرنسي جـاك لـوي دافيـد، 1784
للفنان الفرنسي جـاك لـوي دافيـد، 1784
لم يكن دافيد مجرّد رسّام مشهور فحسب، بل يمكن القول أنه كان أشهر وزير للدعاية والإعلام في زمانه. فغالبية لوحاته مشحونة برسائل حماسية وشعاراتية وبمضامين سياسية ووطنية. وهذه اللوحة تندرج ضمن هذا التصنيف.
وقد رسم دافيد اللوحة بناءً على طلب القصر في فترة كانت نذر الاضطراب والفوضى تخيّم على فرنسا. وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ اندلعت أولى
شرارت الثورة الفرنسية.
والفكرة التي تدعو إليها اللوحة هي تغليب الولاء للدولة على كل ما عداه من ولاءات عائلية أو حزبية أو دينية.
في ذلك الوقت، كان من عادة الرسّامين النيوكلاسيكيين، وعلى رأسهم دافيد، أن يستلهموا أحداثا من التاريخ البعيد ليعيدوا رسمها ويسقطوها على الواقع السياسي والاجتماعي السائد آنذاك بعد أن يضيفوا إليها حمولات سياسية وإيديولوجية معيّنة.
موضوع هذه اللوحة استمدّه دافيد من حادثة ورد ذكرها في التاريخ الروماني القديم.
ففي حوالي نهاية القرن السابع قبل الميلاد، قرّر أهالي كلّ من “روما” و “ألبا” أن يحسموا بشكل نهائي وبطريقة غير مألوفة الصراع الطويل والمستمرّ بين الشعبين.
وقد استقرّ رأي الطرفين على أن ينظّموا مبارزة دامية يختارون لكلّ طرف فيها أفضل ثلاثة مقاتلين لديه.
وكان أن اختارت روما لهذه الغاية ثلاثة أشقاء من عائلة هوراتي، كبرى العائلات الارستقراطية فيها. بينما اختارت ألبا ثلاثة أشقاء من عائلة كورياتي المعروفة بنبلها وعراقتها.
الجانب الميلودرامي في القصّة، ولعله أهمّ عنصر فيها، هو أن إحدى شقيقات الإخوة كورياتي، واسمها سابينا، كانت متزوجّة من أحد الإخوة هوراتي. وإحدى شقيقات الهوراتي، واسمها كاميليا، كانت مخطوبة لأحد الإخوة كورياتي.
في اللوحة نرى والد الأشقاء هوراتي حاملا بيده حزمة من ثلاثة سيوف ومحرّضا أبناءه على القتال بشجاعة واستبسال.
نظرات الإخوة الثلاثة تبدو مصمّمة وأيديهم ممتدّة بصلابة بينما يعلنون ولاءهم لروما ويقسمون على التضحية بحياتهم من أجل الواجب الوطني.
جوّ المشهد يوحي بالرهبة. وما يعمّق هذا الشعور طريقة الفنان البارعة في توزيع الضوء وتمثيل الظلال على امتداد مساحات اللوحة.
هناك أيضا هذا التضادّ بين نوعين من الانفعالات المتباينة كما يظهران على جانبي اللوحة.
فإلى اليسار لا يوحي المنظر سوى بالقسوة والعنف والصرامة. فالأب يقف بملامح جامدة ونظرات باردة. انه متحمّس جدّا للقتال لدرجة أن الدم يكاد ينبجس من عروق ساقه النافرة.
وواضح أنه غير مكترث كثيرا باعتبارات النسَب والمصاهرة التي تربط بين العائلتين.
وعلى الجانب الأيمن صورة للضعف الإنساني في أجلى صوره كما يمثله منظر النساء الباكيات الحزينات.
واعتمادا على تفاصيل القصّة، يمكن للمرء أن يتخيّل أن المرأة التي ترتدي الملابس البيضاء هي كاميليا شقيقة الإخوة، وأن التي إلى جانبها هي زوجة أحدهم أي سابينا.
وفي الخلفية تظهر امرأة ثالثة بملابس سوداء وهي تحتضن طفلين يبدو الأكبر منهما وقد اكتسى وجهه بعلامات الخوف والتوتّر.
رسم أكثر من فنّان هذه القصّة وتناولوها باعتبارها لعبة تنافُس على السلطة والنفوذ بين أسرتين ارستقراطيّتين قرّرتا في النهاية التضحية بالمشتركات الإنسانية وانتصرت فيها المصالح السياسية على مقتضيات الحبّ والعاطفة.
غير أن الفنان دافيد اختار، كعادته، أن يشحن القصّة بالتوتّر والفخامة وأن يخلع عليها مضمونا وطنيا ويضمّنها أفكارا عن الاتّحاد وقوّة الإرادة والإصرار والعزيمة.
تعتبر اللوحة أحد أعمال دافيد الأكثر أهميّة، بل وإحدى اللوحات المهمّة في تاريخ الفنّ الفرنسي كله. وقد أصبحت نموذجا للوحات التاريخية التي ظهرت في ما بعد وأضحت ترمز للبطولة والنبل والتضحية.
وهناك من النقاد من يعزو سبب صعود دافيد وشهرته إلى هذا العمل بالذات.
كان الفنان قبل رسمه للوحة قد ذهب إلى روما وأقام فيها لبعض الوقت، حيث وقف على طريقة الرومان في رسم الأعمدة والأقواس وعلى أساليب صناعة السيوف والخوَذ. كما تدرّب على طريقة رسم الملابس المنسدلة وزار بعض المتاحف لمعاينة طرُز اللباس التي كان يستخدمها الرومان الأقدمون.
لكن كيف انتهت المبارزة؟
تقول الروايات إن المعركة أسفرت عن مصرع الإخوة كورياتي الثلاثة. كما قتل اثنان من الهوراتي.
وعندما عاد الثالث إلى بيت عائلته، وجد شقيقته في حال من الحزن والغضب وسمعها وهي تلعن روما التي بسببها مات خطيبها وشقيقاها، فأقدم على قتلها.
وقد ُحكم عليه بالموت على جريمته. لكن تمّ العفو عنه بعد ذلك على أساس أن بطولته وتضحيات عائلته مبرّر كاف للصفح عنه والإبقاء على حياته
وقد رسم دافيد اللوحة بناءً على طلب القصر في فترة كانت نذر الاضطراب والفوضى تخيّم على فرنسا. وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ اندلعت أولى
شرارت الثورة الفرنسية.
والفكرة التي تدعو إليها اللوحة هي تغليب الولاء للدولة على كل ما عداه من ولاءات عائلية أو حزبية أو دينية.
في ذلك الوقت، كان من عادة الرسّامين النيوكلاسيكيين، وعلى رأسهم دافيد، أن يستلهموا أحداثا من التاريخ البعيد ليعيدوا رسمها ويسقطوها على الواقع السياسي والاجتماعي السائد آنذاك بعد أن يضيفوا إليها حمولات سياسية وإيديولوجية معيّنة.
موضوع هذه اللوحة استمدّه دافيد من حادثة ورد ذكرها في التاريخ الروماني القديم.
ففي حوالي نهاية القرن السابع قبل الميلاد، قرّر أهالي كلّ من “روما” و “ألبا” أن يحسموا بشكل نهائي وبطريقة غير مألوفة الصراع الطويل والمستمرّ بين الشعبين.
وقد استقرّ رأي الطرفين على أن ينظّموا مبارزة دامية يختارون لكلّ طرف فيها أفضل ثلاثة مقاتلين لديه.
وكان أن اختارت روما لهذه الغاية ثلاثة أشقاء من عائلة هوراتي، كبرى العائلات الارستقراطية فيها. بينما اختارت ألبا ثلاثة أشقاء من عائلة كورياتي المعروفة بنبلها وعراقتها.
الجانب الميلودرامي في القصّة، ولعله أهمّ عنصر فيها، هو أن إحدى شقيقات الإخوة كورياتي، واسمها سابينا، كانت متزوجّة من أحد الإخوة هوراتي. وإحدى شقيقات الهوراتي، واسمها كاميليا، كانت مخطوبة لأحد الإخوة كورياتي.
في اللوحة نرى والد الأشقاء هوراتي حاملا بيده حزمة من ثلاثة سيوف ومحرّضا أبناءه على القتال بشجاعة واستبسال.
نظرات الإخوة الثلاثة تبدو مصمّمة وأيديهم ممتدّة بصلابة بينما يعلنون ولاءهم لروما ويقسمون على التضحية بحياتهم من أجل الواجب الوطني.
جوّ المشهد يوحي بالرهبة. وما يعمّق هذا الشعور طريقة الفنان البارعة في توزيع الضوء وتمثيل الظلال على امتداد مساحات اللوحة.
هناك أيضا هذا التضادّ بين نوعين من الانفعالات المتباينة كما يظهران على جانبي اللوحة.
فإلى اليسار لا يوحي المنظر سوى بالقسوة والعنف والصرامة. فالأب يقف بملامح جامدة ونظرات باردة. انه متحمّس جدّا للقتال لدرجة أن الدم يكاد ينبجس من عروق ساقه النافرة.
وواضح أنه غير مكترث كثيرا باعتبارات النسَب والمصاهرة التي تربط بين العائلتين.
وعلى الجانب الأيمن صورة للضعف الإنساني في أجلى صوره كما يمثله منظر النساء الباكيات الحزينات.
واعتمادا على تفاصيل القصّة، يمكن للمرء أن يتخيّل أن المرأة التي ترتدي الملابس البيضاء هي كاميليا شقيقة الإخوة، وأن التي إلى جانبها هي زوجة أحدهم أي سابينا.
وفي الخلفية تظهر امرأة ثالثة بملابس سوداء وهي تحتضن طفلين يبدو الأكبر منهما وقد اكتسى وجهه بعلامات الخوف والتوتّر.
رسم أكثر من فنّان هذه القصّة وتناولوها باعتبارها لعبة تنافُس على السلطة والنفوذ بين أسرتين ارستقراطيّتين قرّرتا في النهاية التضحية بالمشتركات الإنسانية وانتصرت فيها المصالح السياسية على مقتضيات الحبّ والعاطفة.
غير أن الفنان دافيد اختار، كعادته، أن يشحن القصّة بالتوتّر والفخامة وأن يخلع عليها مضمونا وطنيا ويضمّنها أفكارا عن الاتّحاد وقوّة الإرادة والإصرار والعزيمة.
تعتبر اللوحة أحد أعمال دافيد الأكثر أهميّة، بل وإحدى اللوحات المهمّة في تاريخ الفنّ الفرنسي كله. وقد أصبحت نموذجا للوحات التاريخية التي ظهرت في ما بعد وأضحت ترمز للبطولة والنبل والتضحية.
وهناك من النقاد من يعزو سبب صعود دافيد وشهرته إلى هذا العمل بالذات.
كان الفنان قبل رسمه للوحة قد ذهب إلى روما وأقام فيها لبعض الوقت، حيث وقف على طريقة الرومان في رسم الأعمدة والأقواس وعلى أساليب صناعة السيوف والخوَذ. كما تدرّب على طريقة رسم الملابس المنسدلة وزار بعض المتاحف لمعاينة طرُز اللباس التي كان يستخدمها الرومان الأقدمون.
لكن كيف انتهت المبارزة؟
تقول الروايات إن المعركة أسفرت عن مصرع الإخوة كورياتي الثلاثة. كما قتل اثنان من الهوراتي.
وعندما عاد الثالث إلى بيت عائلته، وجد شقيقته في حال من الحزن والغضب وسمعها وهي تلعن روما التي بسببها مات خطيبها وشقيقاها، فأقدم على قتلها.
وقد ُحكم عليه بالموت على جريمته. لكن تمّ العفو عنه بعد ذلك على أساس أن بطولته وتضحيات عائلته مبرّر كاف للصفح عنه والإبقاء على حياته
0 التعليقات:
إرسال تعليق