د. حسن يوسفـي المسـرح والاستعـارة
الزيارات:
الزيارات:
Lesarts7 | 6/30/2013 07:14:00 م |
مقالات
د. حسن يوسفـي المسـرح والاستعـارة
|
تتعدَّدُ الخطابات حول المسرح، ويكثر الحديث عنه بلغات مختلفة، وتنشأ، بموازاة مع هذا، أنماط متعددة من الميتالغة تشتغل على المسرح باعتباره لغة - موضوعا ذات طبيعة أدبية حينا، وذات طبيعة فرجوية حينا آخر. إلا أن الملاحظ هو أن بين ثنايا هذه الاهتمامات الميتالغوية ينسل خطاب متميز عن المسرح خاصيته الأساسية هي الاستعارية «Métaphorisation»، يقارب مختلف مكونات هذا الفن وعوالمه انطلاقا من استثمار القدرة التعبيرية والبلاغية للاستعارة، محاولا الكشف عن بعض مظاهره الخفية، بخلق تماثل بينه وبين عوالم أخرى كالعشق، واللذة، والسحر، والعنف، والوباء، إلخ. ويبدو هذا الخطاب تصويريا يعتمد الإيحاء والإشارة والتكثيف الدلالي عبر الاستعارة، لذلك غالبا ما يتم التعامل معه بنوع من اللامبالاة مصدرها نظرة قاصرة ترى أن لغة النقد ينبغي أن لا تسقط في التصوير وأن تكون لغة واضحة، صارمة، جافة، تشتغل بواسطة المفاهيم وليس بواسطة الصور. ولعل اشتغال الميتالغة النقدية بواسطة أدوات بلاغية - يفترض حسب نظرية صفاء النوع الأدبي أنها من خصائص الشعر - ليس شيئا طارئا عليها. فإذا عُدْنَا، مثلا، إلى الخطاب النقدي في التراث العربي الكلاسيكي وَجَدْنَا مجموعة من الأحكام والمواقف النقدية المرتبطة بالشعر العربي القديم تسير في نفس الاتجاه، وتؤسس لغة نقدية ذات طابع مجازي، كأن يقول أبو عمرو بن العلاء عن ذي الرمة: «شعره بعر ظباء ونقط عروس» لكي يبين سرعة زوال بريق شعره رغم الإغراء الذي يمارسه على قارئه في الوهلة الأولى، أو كأن يقول عن الأعشى: «مثله مثل البازي يضرب كبير الطير وصغيره»، أو كأن يقول عبد الملك بن مروان لابن قيس الرُّقيَّات بعد أن أنشده بعض أبياته: «أحسنت لولا أنك خنثت في قوافيك»، أو كأن يقول أبو عمرو بن العلاء أيضا عن الأخطل: «فقد كان جهده أن يقول: ''إنما نحن في من مضى كبقل في أصول نخل طوال'' ليلخص بذلك أحد المواقف المشهورة حول قضية القديم والمحدث التي شغلت النقد العربي القديم مدة طويلة»[1].
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت الاستعارة - والمجاز بصفة عامة، تستعمل في الخطاب الشعري من أجل أهداف تخييلية وجمالية، فما هي المقصدية المتحكمة في استعمالها ضمن خطاب ميتالغوي مؤسس على فن له خصوصياته التعبيرية كالمسرح؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا مناص من التمييز بين استعمالين للاستعارة، يقتصر الأول منهما على اعتبارها محسنا كلاميا، ويتعامل معها كصورة«Image»، في حين يوسِّعُ الثاني دائرتها لتصبح بمثابة رؤية للعالم «Vision du monde».
1 - الاستعـارة: من الصـورة إلى الرؤيـة:
1. 1 - الاستعـارة صورة بلاغيـة:
ارتبط الحديث عادة عن الاستعارة بمجال البلاغة، باعتبارها إحدى محسنات الأسلوب. لذلك نجد البلاغة العربية تدرسها ضمن ما يسمى بعلم البيان الذي يشكل إلى جانب علمي البديع والمعاني العلوم الثلاثة الرئيسية لهذه البلاغة، و«فائدة هذا العلم إبراز المعنى بطرق مختلفة في وضوح الدلالة»[2].
والاستعارة إحدى الوسائل أو الطرق المستعملة لإبراز المعنى وتحسين الكلام. وفي البلاغة الغربية يتم تصنيفها ضمن ما يسمى بمحسنات المشابهة، ويتم التمييز بينها وبين التشبيه باعتبارها محسن كلام في حين يعتبر هو محسن فكر. ولعل هذا ما يؤكده أحد الباحثين في مجال البلاغة حيث يقول: «يبدو أن السمة المميزة للاستعارة من طبيعة لغوية، وهذه تتعارض مع الطبيعة المفهومية للتشبيه»[3]. وانطلاقا من هذا التمييز تعتبر الاستعارة إحدى المحسنات التي تنضوي تحت ما يسمى بالصورة بمعناها الأسلوبي. وللاستعارة أهمية بالغة ليس بالنسبة لتحسين الأسلوب فحسب، وإنما أيضا بالنسبة لتوضيح المعنى وإظهاره، ولعل هذا ما يؤكده عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن الاستعارة، قائلا: «ومن خصائصها التي تذكر بها، وهي عنوان مناقبها: أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعا من التمر ]...[ فإنك لترى بها الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية ]...[ إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلا الظنون»[4].
انطلاقا من هذا النص، نستشف أهم مميزات الاستعارة وهي:
أ - الاقتصـاد اللفظي الذي يحقق الفائض المعنوي
ب - تجلية المعاني الخفية.
ج - تجسيم العقلي وعقلنة المجسَّم.
ولعل هذه المميزات المرتبطة كلها بالمعنى وبكيفية تقديمه هي التي تجعل الاستعارة لا تبقى في حدود الزخرف اللفظي وتحسين الكلام، بل تتعدَّى ذلك لتصبح خاصية ملازمة لمختلف النشاطات الإنسانية لغوية كانت أو فكرية أو جسدية.
وبالرجوع إلى ما قاله صاحبا كتاب «نحيا بالاستعارات» نجد ما يزكي هذا التصور خصوصا عندما يقولان: «تعد الاستعارة عند أغلب الناس إجراء للخيال الشعري والزخرفة البلاغية. إنها تخص الاستعمالات الخارقة للغة أكثر من استعمالاتها العادية. فضلا عن هذا يتم إدراك الاستعارة كخاصية لغوية تتعلق بالكلمات أكثر مما تتعلق بالفكر أو الحركة، لهذا السبب يظن أكثر الناس أن بإمكانهم تجاوز الاستعارات. لقد وجدنا على العكس أن الاستعارة حاضرة دائما في الحياة اليومية. ليس فقط داخل اللغة، بل أيضا داخل الفكر والحركة. إن نظامنا التصوري العادي الذي يسعفنا على التفكير والفعل، ذو طبيعة استعارية أساسا»[5].
1 - 2 - الاستعارة رؤيـــة:
بناء على ما سبق، يمكن القول إن الاستعارة تتجاوز مستوى الصورة المرتبطة بالكلام لتصبح بمثابة رؤية شاملة تتحكم في السلوك الإنساني كلغة وفكر وحركة، ولعل هذا ما جعل ماكس بلاك Max Black يعتبرها مثل شاشة أو مصفاة تنظم ملاحظتنا وفهمنا[6]، كما جعل سولومون ماركوس Solomon Marcus يؤكد: «إن اختيارا استعاريا ما ليس فقط قضية بلاغية، وإنما قضية رؤية للعالم، وطريقة للاستدلال والفعل الاجتماعي»[7].
لهذا، فلا عجب أن نجد الاستعارة في خطابات قد يبدو تواجدها فيها مثيرا للاستغراب كالخطاب اليومي أو حتى الخطاب العلمي نفسه الذي تبدو لغته أكثر صرامة وأقل شاعرية حيث نجد ماركوس الذي يهتم بالبحث في العلاقة بين المسرح والرياضيات يؤكد أن «اللغة العلمية لا يمكنها أن توجد دون استعارات ومجازات ومجازات مرسلة»[8].
ويعد المجال المسرحي من بين أخصب المجالات وأكثرها استعمالا للاستعارة. وهذا الاستعمال اكتسى طابعا مزدوجا، بمعنى أننا نجد مجالات إنسانية متعددة تستعمل الاستعارة المسرحية «Métaphore théâtrale»[9]، كما نجد مختلف خطابات النقاد ومنظري المسرح حافلة هي أيضا بالاستعارة المرتبطة بالإنسان كفكر وعاطفة وجسد، وتحاول استثمار بعض نماذج هذه الاستعارة كالعشق أو السحر أو العنف أو الوباء مثلا، من أجل إعطاء صورة عن المسرح ليس من خلال عناصره ومكوناته المعروفة، وإنما من خلال علاقة التماثل «Analogie» التي تبنيها هذه الخطابات النقدية والنظرية بين المسرح من جهة، والنماذج المذكورة من جهة أخرى.
وسنتوقف الآن عند هذا البعد الثاني لعلاقة المسرح بالاستعارة، ونتبعه بالحديث عن البعد الأول المتعلق بالاستعارة المسرحية.
2 - الاستعارة للمســرح:
يلاحظ المتمرس بالكتابة والقراءة عن المسرح أن من أخص خصائص الخطاب الميتالغوي المرتبط به اللجوء إلى الاستعارة. ولعل من أهم الاستعارات الأكثر شيوعا واستعمالا في هذا الخطاب تلك المرتبطة بالمجال الإنساني، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وسنحاول أن نتوقف عند البعض منها:كاستعارة العشق، والوباء، والعنف، والسحر.
2 - 1 - المســرح والعشـــق:
يقول برنار دور Bernard Dort في إطار حديثه عن الفعل المسرحي: «الفعل المسرحي فعل عشق «Acte d’amour». يستنفذ عند استهلاكه.بعد ذلك لا يبقى منه شيء سوى ذكرى عائمة، ومن يدري؟ ربما الملل. على كل حال، فالجسد أشبع رغبته، وربما الفكر أيضا»[10].
من خلال تأمل هذا النص، نلاحظ أن دُور يقارن بين الفعل المسرحي وفعل العشق، وتتأسس المشابهة بينهما - في نظره - على العناصر التالية:
أ - تزامـن لحظة الاستنفاذ مع لحظـة الاستهلاك.
ب - نهايتهما تتكلل إما بالحصول على ذكرى أو بالملل.
ج - تحقيقها للإشباع الجسدي والروحي أيضا.
يكشف التفكير في هذه العناصر أن دُور يصدر في استعارة لحظة العشق من أجل الحديث عن اللحظة المسرحية عن موقف ضمني يعتبر الفرجة المسرحية موضوعا معشوقا والمتفرج ذاتا عاشقة وأن المكونات المشار إليها بما فيها الاستهلاك والذكرى، الملل والإشباع الجسدي والروحي، ترتبط كلها بالمتفرج. وهي عناصر تحيل في العمق على مرجعيات نظرية مرتبطة بالمجال المسرحي وبالخصوص مجال علاقة المتفرج بالفرجة انطلاقا من موقفين أساسيين هما:
الموقف التطهيري الأرسطي والموقف التغريبي البريشتي.
إلا أن السؤال المطروح هنا هو: أي الموقفين أكثر قابلية لتقريب المسافة بين المسرح والعشق؟ للإجابة عن هذا السؤال لا مناص من استحضار بعض المكونات الأساسية لفعل العشق، ومنها: كونه، أولا، تلاحم بين جسدين في لحظة زمانية ومكانية ما، ثانيا كونه لحظة عاطفة أكثر منه لحظة عقل(وربما هذا ما يبرر إلى حد ما الوقوع في ما يمكن تسميته ممنوعات العشق)، ثالثا تتوج لحظته بحالة إشباع واسترخاء جسدي ونفسي.
إذا قارنا الفعل المسرحي انطلاقا من الموقفين التطهيري والتغريبي بفعل العشق بمكوناته سالفة الذكر، يمكن أن نخرج بالنتائج التالية:
أ - التلاحم لا يتحقق إلا بالانصهار في الآخر والتماهي معه والاندماج فيه. والمتفرج لا يتحقق له هذا إلا من خلال الموقف التطهيري وليس من خلال الموقف التغريبي الذي يقوم على الإبعاد وخلق المسافة بين الذات العاشقة / المتفرج، والموضوع المعشوق / الفرجة.
ب - الموقف التطهيري يقوم أساسا على المشاركة العاطفية التي تحقق الاندماج على عكس الموقف التغريبي الذي يقوم على أساس استعمال العقل وتحرير الفكر والتعامل النقدي مع ما يعرض. من هنا فالموقف الأول أقرب إلى فعل العشق باعتباره فعلا عاطفيا من الموقف الثاني.
ج - المعادل للحظة الاسترخاء الجسدي والنفسي في العشق، هو التطهير من عاطفتي الخوف والشفقة في الفعل المسرحي المؤسس على الموقف التطهيري الأرسطي. فالمسرح كعشق لا تنتج عنه حركة أو رد فعل بعدي يكون وراءه تغيير الحالة الراهنة إلى حالة أخرى، كما هو الشأن في الموقف التغريبي، بقدر ما ينشأ عنه سكون وهدوء وثبات بدعوى أن التغيير وقع على خشبة المسرح التي هي محاكاة للواقع، كما هو الأمر في الموقف التطهيري.
علاوة على هذا، يبقى بعد آخر للعلاقة الاستعارية بين المسرح والعشق في حاجة إلى التحليل، ويتعلق الأمر بطبيعة العلاقة بين الذات والموضوع في كل منهما، هل هي علاقة أحادية الاتجاه أم تبادلية؟
في العشق تكون العلاقة تبادلية (من حيث المبدأ، أما في الواقع فثمة علاقات عشقية مختلفة تشكل خروجا عن القاعدة) بين الذات والموضوع.فكل منهما يشكل ذاتا «Sujet»، ومرسلا إليه «Destinataire» - إن أردنا استعمال المصطلح الغريماصي (نسبة إلى غريماس Greimas)[11] - في الحكاية العشقية، لأنهما معا يدخلان رحلة بحث متبادل عن بعضهما البعض ويستفيدان معا من نفس الرحلة.
أما في المسرح، فتكتسي العلاقة بين الذات العاشقة (المتفرج) والموضوع المعشوق (الفرجة) أبعادا أخرى جد معقدة تبدأ، أولا، بعرض الموضوع المعشوق لجسده بحثا عن ذات عاشقة (الإعلان عن فرجة مسرحية في ملصق أو جريدة أو عبر وسائل الاتصال السمعية-البصرية)، ثم تنتقل، ثانيا، إلى اختيار الذات العاشقة لزاوية أو بعد معين في الجسد المعشوق يكون مثيرا للذة (نص مسرحي شاعري، ممثل بارع، مخرج مشهور، تقنيون متمرسون، إلخ.)، ثم تتطور، ثالثا، إلى كيفية معايشة الذات العاشقة للموضوع المعشوق خلال اللحظة الزمنية والمكانية المستوعبة للحظة العشق، إذ قد تجد الذات المتعة المطلوبة ويحصل نوع من الهيجان يؤدي إلى تحقيق الأورجازم (أو رعشة الإنزال) «Orgasme» (هنا تكون الفرجة لاذَّة وممتعة)، وقد تصاب الذات بنوع من الفتور والبرود إذا اكتشفت في الجسد المعشوق ما يغيب لذتها أو ما يقطعها «Coïtus Interruptus» (هنا تكون الفرجة غير لاذة وغير ممتعة)، ثم تنتهي اللحظة بالحصول على نتائج مختلفة بالنسبة للذات والموضوع. فبالنسبة للذات لا يخرج الأمر عن أحد العناصر التي سبق أن تحدث عنها برنار دور وحلَّلنا أبعادها هنا وهي: الذكرى، أو الملل أو الإشباع. وبالنسبة للموضوع، قد يكون الجزاء أحد أمرين إما الإحساس بالزهو عند نجاح العرض أو خيبة الأمل عند فشله.
إن ما يجعل العلاقة بين الذات والموضوع تتعقد في الفعل المسرحي أكثر من الفعل العشقي هو مكونات كل منهما أولا، ثم الأبعاد الزمنية والفضائية لهذه العلاقة ثانيا، ثم خصائصها الجمالية والسوسيولوجية ثالثا.
2 - 2 - المسـرح والوبـــاء:
من أغرب الاستعارات وأكثرها إثارة في الحديث عن المسرح استعارة الوباء. إذ كيف يعقل أن نتحدث عن فن يفترض فيه أن من أجل وظائفه تحقيق الشفاء الجسدي والروحي للإنسان، باعتباره شكلا من أشكال الوباء؟! إلا أن الاستغراب قد يزول عندما نعود لفصل من أجمل الفصول وأكثرها عمقا في كتاب «المسرح وقرينه Le théâtre et son double» لأنطونان أرطو Antonin Artaud، عنونه بعنوان مثير وصادم، هو: «المسرح والطاعون Le théâtre et la peste». إن السؤال الذي يطرح هنا هو: أية علاقة يمكن أن تنشأ بين فن جميل ذي وظيفة إنسانية، وبين داء أو وباء ينشر الرعب والدمار الإنساني؟
لفهم هذه العلاقة، وبالتالي استساغة هذه الاستعارة الغريبة - أي استعارة المسرح باعتباره طاعونا - لابد من فهم التصور الذي ينطلق منه أرطو في حديثه عن هذا الداء الفتاك. فهو يستعمل كل الحجج التاريخية والجغرافية المرتبطة بالداء كحدث ظهر في أزمنة وأمكنة محددة في فرنسا وإيطاليا ومصر، لكي يثبت أن الطاعون لم ينتشر نظرا لكونه عدوى «Contagion» جسدية، وإنما باعتبار تركيبته الروحية «Physionomie spirituelle».ولعل ما جعله يثبت البعد الروحي للطاعون أكثر من بعده الجسدي هو المفارقة الغريبة التي تؤكد أن أشخاصا أكثر حرصا وأكثر عزلة وبعدا عن موطن الداء أصيبوا بالطاعون، في حين أن أشخاصا يتواجدون في قلب مكان العدوى لم يصابوا بشيء. انطلاقا من هذا التصور، إذن، الذي يعتبر الطاعون داء روحيا أكثر منه جسديا، ما هي مختلف التشابهات أو التماثلات الممكنة بينه وبين المسرح؟
يمكن تحليل هذه التماثلات انطلاقا من أربعة عناصر أساسية هي:
أ - حالة الممثل وحالة المصاب بالطاعون.
ب - الحدث المسرحي وحدث الطاعـون.
ج - صور المسرح وصور الطاعـون.
د - المسـرح والطاعـون.
فيما يتعلق بالعنصر الأول يقول أرطو: «إن حالة المصاب بالطاعون الذي يموت دون تدمر المادة، حاملا في ذاته كل آثار شر مطلق ومجرد تقريبا، مشابهة لحال الممثل التي تستبطنها إحساساته بشكل تام وتقلبها دون فائدة بالنسبة للواقع. كل شيء في المظهر الجسدي للممثل كما للمصاب بالطاعون، يبين أن الحياة تحركت في اتجاه الحدة ورغم ذلك لم يحدث أي شيء»[12].
فيما يتعلق بالعنصر الثاني يؤكد أرطو أن بين ما يقوم به المصاب بالطاعون وما يقوم به الممثل تماثلات أخرى «تجعل الحدث المسرحي مثله مثل حدث الطاعون في إطار وباء حقيقي»[13]. في هذا السياق نجد تشابها بين وضعية المصاب بالطاعون الذي يجري وهو يصرخ تابعا مختلف الصور التي يتخذها جسده، وبين الممثل الذي يتبع حساسيته، كما نجد تشابها بين الحي الذي يتشكل من شخصيات لم يكن له أن يتصورها ويعيشها ويحققها وسط جمهور من الجثث والمجانين المصابين بالهذيان لولا الطاعون، وبين الشاعر أو الكاتب المسرحي الذي يبدع شخصيات بشكل فجائي ويعرضها على جمهور خامل هو أيضا وهاذٍ. علاوة على هذا، ثمة تشابه آخر بين الحدثين الطاعوني والمسرحي يتمثل في الوظيفة الإيجابية النافعة لكل منهما.فالحدث المسرحي - كما يرى أرطو - يدفع الناس إلى أن يروا بعضهم البعض على حقيقتهم، أي كما هم لأنه يزيل الأقنعة ويكشف الكذب والنفاق والدناءة والخمول، كما يدفع الجماعات - بالكشف عن قوتها الداخلية المختفية - إلى اتخاذ موقف بطولي إزاء القدر.
ولعل هذا التماثل على مستوى الحدث هو الذي جعل أرطو يقيم تماثلا آخر على مستوى الصورة «Image» بين المسرح والطاعون، حيث يؤكد أن صور الطاعون في علاقتها بحالة اللانظام الجسدي القوية هي بمثابة الصواريخ الأخيرة لقوة روحية منهارة، أما الصور الشعرية في المسرح، فهي قوة روحية تبدأ مسارها من المحسوس وتتجاوز الواقع. إن ما يجمع بين هذين النوعين من الصور هو هذا البعد الروحي الذي يجعل من الطباع المضطربة للمصاب بالطاعون التي تترجم حالة الفوضى، معادلا للصراعات والمقاومات والكوارث والانكسارات التي تحملها الأحداث.
وانطلاقا من تحليل التماثلات على مستوى العناصر الثلاثة (حالة الممثل، الحدث، والصورة)، يخلص أرطو إلى مجموعة من التعريفات للمسرح -انطلاقا من اعتباره طاعونا - تعتمد بدورها صياغات استعارية تجعل من الخطاب النظري لأرطو حول المسرح خطابا شعريا يأسر القارىء باعتماده هذا الطابع الاستعاري المضاعف، إن صحَّ القول. ويمكن أن نلخص هذه التعريفات في ما يلي: إن المسرح مثله مثل الطاعون:
- هذيان تواصلي «Délire communicatif.
- تحويل وتغيير للجماعات وتوجيهها في نفس الاتجاه.
- استنفار للقوى يعود بالفكر لمنبع صراعاته.
- إظهار وإخراج لعمق قسوة كامنة.
- زمن الشـر وانتصار القوى السوداء.
- شمس غريبة وضوء ذو قوة غير عادية.
- مجـزرة.
- كارثة منتقمة ووباء منقذ وسم مفتت.
- أزمة تنفرج بالموت أو الشفاء.
- شر لأنه التوازن الأسمى الذي لا يتحقق دون تدميـر.
إن المتأمل لهذه التعريفات (يستحق كل واحد منها وقفة خاصة ليس هذا مجالها)، ولهذا الزخم الاستعاري، يمكنه أن يقر - دون خوف أو تردد -أن الحديث عن المسرح بلغة الشعراء (نحن نفترض أن الاستعارية من أخص خصائص الشعر) قد يكون في كثير من الأحيان أهم وأكثر خصوبة ودقة وبلاغة من الحديث عنه بلغة النقاد المثقلة بالمصطلحات والمفاهيم خصوصا عندما تطبق هذه المفاهيم بشكل غير إجرائي.
انطلاقا من هذا الموقف يمكن أن نؤكد أن النقد المسرحي العربي مطالب بإعادة قراءة بعض المتون النظرية في المسرح الغربي، ليس القراءة السريعة التي تتصيد المفاهيم والمصطلحات المسرحية التي تطفو على سطح الخطاب، وإنما القراءة العميقة المستبطنة لعمق هذا الخطاب في أبعادها التركيبية والدلالية.
من هنا، نرى أن إعادة قراءة أرطو على ضوء ما يمكن تسميته بالبعد الاستعاري للخطاب النظري حول المسرح، قد تكشف عن زوايا جد هامة في هذا الفن لا شك أن سياقنا المسرحي العربي في أمس الحاجة إليها.
2 - 3 - المســرح والعنــف:
تكتسي استعارة العنف في الميتالغة النظرية النقدية حول المسرح طابعا متميزا يتمثل بالخصوص في اختلاف التلوينات التي تتخذها وتنوع التجليات التي تتمظهر عبرها. وتتجلى أهمية هذه التجليات في كونها تجعلنا نقيم جسورا بين فن إنساني يجمع بين المتعة والفائدة هو فن المسرح، وبين مجالات لها علاقة بالعنف أو القوة: كالفوضى والانفجار والقوة العضلية.
في هذا الإطار، يمكن أن نتوقف عند بعض النماذج الميتالغوية التي تستثمر هذا الرصيد الاستعاري المرتبط بالقوة والعنف، ونبدأ بأحد التعاريف التي يقدمها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا Jacques Derrida في مؤلفه «الكتابة والاختلاف» معتبرا المسرح بمثابة «فوضى منظمة «Anarchie qui s’organise».
يقوم هذا التعريف على أساس مفارقة لأنه يجمع بين عنصرين متناقضين هما: الفوضى والنظام. من هنا فأول خاصية يمكن استخلاصها بالنسبة للمسرح انطلاقا من هذا التعريف هي كونه فنا يجمع بين التناقضات. ولعل جزءا مهما من المتخيل المسرحي يقوم على أساس هذا الجمع بين المتناقضات (مثلا استحضار شخصية متناقضة فيها الخير والشر، القوة والضعف، العقل والعاطفة، إلخ.). وهذا التناقض المجتمع يشكل ركيزة أساسية تتأسس عليها شعرية المسرح. من جهة أخرى، فإن تأمل هذين العنصرين المكونين لهذه الاستعارة يدفع إلى التساؤل: ما هو مصدر الفوضى في المسرح، ومن هم القائمون بها؟ وما هو منشأ النظام فيه، ومن يضطلع بمهمة خلقه وفرضه؟
الفوضى بالنسبة للمسرح مصدر أساسي أو قدر يصعب التخلص منه لأنه نتيجة طبيعية لتعدد الأنساق التعبيرية فيه وتعدد الذوات المرسلة للخطاب (في المثل الشعبي يقال: «كُلّهَا يْلْغِي بلْغَاهْ»، وهذا ينطبق على المسرح وهو سبب الفوضى فيه نظرا لتعدد المنجزين «Praticiens» بلغة آن أوبرسفيلد)، بالإضافة إلى تعدد الذوات المتلقية وعدم تجانسها وتعدد ردود أفعالها المتنوعة (ضحك، بكاء، صفير، صراخ، ضجيج، حوارات ثنائية، همسات، إلخ.).
أما النظام بالنسبة للمسرح فهو المبدأ والمنطلق، لأن الفوضى التي ستؤول إليها الأشياء فوق الخشبة مسيجة ومحكومة بنظام مفروض سلفا أساسه الميثاق القائم بين المبدع والمتلقي ويمكن تسميته بميثاق الفرجة التواصلية (لكي يحدث التواصل لابد من النظام والانطلاق من أشياء مهيأة سلفا تم التحضير لها ووضع كل الترتيبات الزمنية والفضائية[14] لمسرحتها وتحويلها من المكتوب إلى المعروض. من هنا، فإن القائم على تحقيق النظام في المسرح هو المخرج، ويصنع نظامه الخاص بانطلاقه من نص درامي معين (حتى الارتجال له نظامه الكتابي الخاص)، ومن تصور محدد حول الإخراج في كل أبعاده.
ولعل هذه الخاصية التي تكشفها هذه الاستعارة التي صاغها ديريدا بالنسبة للمسرح باعتباره فوضى منظمة، هي التي كشف عنها فكتور هيجوVictor Hugo بشكل آخر - فيما قبل - عندما اعتبر المسرح بمثابة «الأداة التي توحد التناقضات الاجتماعية وتحول الحشد ‘’La foule‘’ إلى شعب‘’Peuple‘’[15]، أي بعبارة أخرى تذوب أسباب الفوضى (التناقض الاجتماعي، الحشد) لصالح النظام (الوحدة، مفهوم الشعب).
وإذا انتقلنا إلى النموذج الثاني نجد جان جاك روبين Jean - Jacques Roubine في كتابه «مدخل إلى النظريات الكبرى للمسرح»، يقول في سياق حديثه عن مسرح القرن 18: «الكل متفق على الاعتقاد بأن للعطف والتدفق الجماعي و«إسالة الدموع ‘’Lacrymogènie‘’ (يتم البكاء بكثرة في المسرح، ولأسباب تافهة، خلال القرن 18) سلطة إقناع وتحويل لا تقاوم»[16].
إن الاستعارة الملفتة للانتباه في هذا القول هي المتمثلة في: «إسالة الدموع Lacrymogènie» لأنها تتضمن تماثلا بين المسرح وبين القنبلة المسيلة للدموع. فما هي الآفاق الدلالية الممكن ارتيادها انطلاقا من هذا التماثل؟ وماذا بإمكان استعارة تجعل من المسرح قنبلة مسيلة للدموع أن تقدم لنا للتعرف على آليات هذا الفن وخصائصه التعبيرية؟
لنتأمل أولا بعض الخصائص المميزة للقنبلة المسيلة للدموع، فهي غالبا ما تستعمل كوسيلة للردع والقمع إثر احتجاج أو انتفاضة جماعية، والدموع المترتبة على استعمالها ينتج عنها الألم الجسدي (في العينين بالخصوص)، وبالتالي التراجع والهروب. والدموع السائلة بفعل القنبلة ليس لها أي عمق عاطفي لأن مصدرها مثير خارجي لا علاقة له بدواخل النفس. ولعل ما يميزها أكثر هو سيلانها بكثرة.
في حين نجد أن دموع المسرح هي بمثابة شفاء روحي بالنسبة للمتفرج، كما أن مصدرها هو الاندماج أو التماهي، مما يؤكد أن لها بعدا مزدوجا داخليا وخارجيا، بمعنى أن المتفرج يبكي في المسرح عندما يشاهد شيئا يبعث على ذلك ويجد هذا الشيء صدى له في أعماقه عند اندماجه(مثلا: عندما يشاهد شخصية تكالبت عليها الأقدار بشكل قاهر لم تستطع مقاومته فأصيبت بالتقهقر والانهيار). والمتفرج المندمج قد يبكي قليلا أو كثيرا حسب الحالات. بمعنى أن الدموع نسبية من حيث القلة والكثرة في المسرح. انطلاقا من هذا الوصف، يبدو لنا أن أوجه التماثل بين المسرح والقنبلة تتمثل أولا في فعل إسالة الدموع نفسه. وتتمثل، ثانيا، في كثرة الدموع (وهنا يمكن استعارة هذه الخاصية بالنسبة لمسرح معين مرتبط بفترة محددة كالقرن 18 مثلا كما أشار إلى ذلك روبين). إلا أن الفرق الأساسي بين الإثنين يتمثل في وظيفة الدموع، لأنها بالنسبة للقنبلة تسبب الألم الجسدي في حين تكون وسيلة للشفاء الروحاني في المسرح.
إن أهم ما يميز هذه الاستعارة هو أنها بقدر ما تجعلنا نضع اليد على التشابهات، تجعلنا أيضا نرصد الاختلافات. وهذه خاصية مهمة تكشف لنا عن جانب من المسرح هو ما يمكن تسميته بأثر الفرجة في المتفرج، ليس من خلال المشابهة وحسب، وإنما من خلال الاختلاف أيضا، أليست الهوية تتحدد من خلال الاختلاف كما يقول بعض الفلاسفة.
في إطار نفس العلاقة بين المسرح والعنف، نجد وجها استعاريا آخر لهذه العلاقة يركز على دلالة القوة. ونجد مثل هذا الاستعمال في فصل آخر من فصول كتاب «المسرح وقرينه» عنونه أرطو أيضا بعنوان استعاري هو: «رياضة عاطفية Athlétisme Affectif». يستعير أرطو للممثل في هذا الفصل صفة رياضية هي صفة العدَّاء «Athlète»، حيث يقول: «الممثل عدَّاءٌ بالقلب»[17]. وهذا القول يعني أنه إذا كان العداء يستعمل جهده العضلي من أجل الجري السريع، فإن الممثل يستعمل جهدا آخر شبيها به، لكنه من طبيعة نفسية أو روحية يعتمد على القلب أكثر من الأعضاء الأخرى. من هنا يتحدث أرطو عما يسميه - استعاريا - بالعضلية العاطفية «Musculature Affective».
هذه الاستعارة تسلط الضوء على جانب مهم في الممارسة المسرحية يتعلق بلعب الممثل وكيفية أدائه لدوره ومعايشته لهذا الدور، وتشير بالخصوص إلى ذلك الجهد العاطفي والنفسي الذي يبذله والذي لا يشبهه من حيث القوة إلا الجهد العضلي للعداء خلال منافسة رياضية.
2 - 4 - المســرح والسحــر:
تكشف استعارة السحر عن أبعاد أخرى جد مهمة في الفن المسرحي باعتباره ممارسة تقوم على اللقاء الحي المباشر بين المبدع والمتلقي. من ثم، نلاحظ أن الحديث عن المسرح كممارسة سحرية ينطلق تارة من زاوية المبدع المسرحي باعتباره ساحرا، كما ينطلق تارة أخرى من جانب المتفرج باعتباره مسحورا.
ويمكن أن نمثل لهذين التصورين بنصين: الأول لبرنار دور، ويتحدث فيه عما سمَّاه بميثاق الصمت والاقتناع المتبادل بين هواة المسرح ورجالاته، والذي يترتب عنه كون «العمل المسرحي ينغلق على ذاته، على عمله وسحره، على صفائه وبراءته»[18]. والنص الثاني لسعد الله ونُّوس في كتابه «بيانات من أجل مسرح عربي جديد»، ويتحدث فيه عن قوة التأثير والتغيير المميزة للظاهرة المسرحية، التي أزعجت الرجعية خلال البدايات الأولى للمسرح العربي حيث يقول: «وكانت الرجعية تلاحظ بانزعاج قوة التأثير والتغيير هذه، وحين واتتها الفرصة صاحت: ‘’كذا قد يرى الإنسان فيه -أي المسرح - من اللهو وأحاديث اللغو ما يذهب بفكره، ويضل الطير عن وكره.. وفي هذه الصيحة تعبير بليغ عن حالة «التمسرح» التي كان يصل إليها المتفرج حتى ليبدو بعد العرض وكأنه مسلوب الرشد، أو بدَّلَته حالة السحر»[19].
نستشف من هذين النصين أن ثمة تصورا واحدا يتحكم فيهما يعتبر العمل المسرحي ضربا من السحر يمارس تأثيرا وتغييرا في حالة المتفرج الذي يصبح مسحورا. وعندما نتأمل السياق الذي تتموقع فيه هذه الاستعارة المسرحية، نجد أنها ارتبطت في النص الأول بمجموعة من الدلالات كالصمت والغموض والانغلاق، في حين ارتبطت في النص الثاني بالتبدل والتغير والتحول في علاقتها بالإنسان / المتفرج.
إن أهمية هذه الاستعارة - بالنظر إلى هذه الدلالات - تتجلى في تسليطها الضوء على عالم المسرح باعتباره عالما يقوم على المفارقة. فرغم ما يظهره من وضوح وشفافية (يعرض على مرأى ومسمع من المتفرج)، إلا أنه يخفي عوالم غامضة لها قوة السحر وتأثيره. فأفكاره المبطنة وصوره المغلفة تمر نحو حواس المتفرج وبالتالي نحو ذاكرته ولا وعيه في آن واحد. ولعل ما يضفي على الفرجة المسرحية هذا الغموض القوي التأثير كالسحر، هو كونها هي نفسها بمثابة اشتغال استعاري على الواقع[20]، لأنها تأخذ عناصره لكنها تصبها في قالب جديد وتولد من خلالها فائضا دلاليا اعتمادا على آلية التماثل.
كما أن هذه الاستعارة السحرية تكشف عن شيء آخر هو علاقة الفرجة بالمتفرج. هذا الأخير الذي لا تتشابه حالته قبل العرض مع حالته بعد العرض، وخصوصا في حال حصول الاندماج الكلي، لأن المشاركة الوجدانية والتماهي العاطفي يجعله يبدو فاقدا للتحكم في نفسه، في تصرفاته وحركاته، أي بعبارة أخرى يبدو وكأنه أصبح مسحورا، لأن المسحور، في نهاية المطاف، هو الذي لا يتصرف بمحض إرادته لكونه واقعا تحت تأثير سلطة غامضة لا يستطيع مقاومتها ولا الفكاك منها.
مما تقدم تبدو لنا بشكل جلي مسألة أهمية الاستعارة بالنسبة للخطاب الميتالغوي حول المسرح. فالنماذج الاستعارية التي حاولنا تحليلها قدمت لنا صورة عميقة عن فن المسرح باعتباره ممارسة إنسانية لها أبعادها العقلية والعاطفية والجسدية، وباعتباره خطابا له آليات وخصائص تجمع بين جنون العشق، وتدميرية الوباء، وقوة العنف وغموض السحر.
3 - الاستعارة المسرحيـة:
إن حضور الخصائص المميزة للمسرح، أو ما يصطلح عليه بالتمسرح «Théâtralité»، داخل خطابات ومجالات غير مسرحية لا يماري فيه أحد. ولعل هذا ما يضفي المشروعية على تساؤل جوزيت فيرال Josette Féral: «هل يجب الحديث عن تمسرح بالمفرد أم تمسرحات بالجمع؟»[21]، وبالتالي إذا كان التمسرح يجد له تمظهرات مختلفة، ألا يمكن اعتباره تعاليا Transcendance (بالمفهوم الكانطي) له تجسدات مختلفة منها ما هو مسرحي وما هو غير مسرحي؟
إن المتأمل لمختلف النشاطات الإنسانية اجتماعية كانت أو سياسية أو علمية أو فنية، يكتشف كيف يحضر التمسرح فيها بشكل مكثف. هذا الحضور الذي يكتسي دلالة مهمة أشار إليها سولومون ماركوس Solomon Marcus قائلا: «إن الحضور المكثف للتشبيهات والاستعارات المسرحية داخل مجالات النشاط الإنساني والاجتماعي، الأكثر اختلافا، مؤشر على قدرة المسرح على مفاجأة وضعيات أساسية تنتمي لمختلف أشكال الظروف والفكر واللغة والتصرف والفعل الإنساني، والتعبير عنها»[22].
إن هذه القدرة التي يتميز بها المسرح هي التي تضفي عليه طابع الكونية «Universalité» وتساعده على تقديم رؤية شمولية عن العالم بكل تعقيداته. وهذه القدرة التعبيرية للمسرح تنشأ من عاملين اثنين: أولهما اقترابه الشديد من الواقع الإنساني، ألم يعتبر منذ أرسطو فن المحاكاة بامتياز؟!وثانيهما تعدد لغاته ووسائله التعبيرية التي تجعل منه فنا شاملا، ولعل التعريف الشائع عنه باعتباره «أب الفنون» كاف لتفسير هذه الشمولية.
3 - 1 - المسـرح والمجتمـــع:
عندما أطلق المخرج الفرنسي فيتز Vitez قولته المشهورة «بإمكاننا مسْرَحَة كل شيء On peut faire théâtre de tout»[23]، كان الأساس الذي انطلق منه هو هذا الطابع المسرحي الملازم لكل النشاطات الإنسانية في المجتمع حيث يظهر في الحياة اليومية للإنسان بحركاتها وتفاعلاتها، ويحضر في كل الفضاءات التي يتواجد بها الإنسان، كما يتجسد في الاحتفالات والطقوس الجماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد.
3 - 1 - 1 - المسـرح والحيـاة اليوميــة:
إن الحديث عما يمكن تسميته، استعاريا، بالتمسرح اليومي يعتبر بالنسبة للبعض أمرا غريبا ومستفزا بل ومبالغا فيه، إذ كيف يعقل أن ننعت تصرفات الإنسان وتحركاته داخل الفضاء اليومي بكونها مواقف مسرحية، خصوصا وأن الكل يعتقد أنه يقوم بأفعال واعية وواقعية تجعل من الصعب عليه أن يستسيغ القول عن حياته بأنها عبارة عن مسرحية وأنه مجرد مشخص لدور، أو ممثل داخل لعبة مسرحية تسمى الحياة. في هذا السياق يندرج التصور الذي يعبر عنه بيتر بروك «Peter Brook» قائلا: «أستطيع أن أتخذ أية مساحة فارغة وأدعوها خشبة مسرح عارية، فإذا سار إنسان عبر هذه المساحة الفارغة، في حين يرقبه إنسان آخر، فإن هذا كل ما هو ضروري كي يتحقق فعل من أفعال المسرح»[24].
يستنتج من هذا القول أن كل فضاءاتنا اليومية فضاءات مسرحية، وأننا جميعا نؤدي دورا مزدوجا في مسرحية الحياة، دور الممثل الذي يتحرك في فضاء مسرحي يومي يقوم بأفعال مختلفة، ودور المتفرج الذي يشاهد ويتتبع حركات الممثلين الآخرين وأفعالهم اليومية. بمعنى أن الكل يقوم بالتمثيل التطوعي والمشاهدة المجانية في آن واحد، لأن اليومي غني بمختلف السيناريوهات التي تقوم على التمويه والنفاق والكذب والتمثيل والصراع وغيره من العناصر ذات الطابع المسرحي.
3 - 1 - 2 - المسـرح والاحتفــال:
كل المجتمعات الإنسانية تخلق لنفسها طقوسا واحتفالات تجسد عبرها مجموعة من العادات والشعائر والأحداث اجتماعية كانت أو سياسية.وتحتوي هذه الطقوس والاحتفالات على طاقات مسرحية جد مهمة، لذلك اعتبرت الولادة، والختان، والموت، والرقص والجدبة، وممارسة الشعائر كلها طقوسا مسرحية. كما أن بعض الفضاءات التي تمارس فيها هذه الطقوس، مثل الفضاءات المقدسة اعتُبِرَتْ فضاءات مسرحية. ويمكن أن نشير إلى القول- ذي الظابع الاستعاري - لمارتان إسلان Martin Esslin الذي اعتبر أن «المسارح كنائس مدنسة والكنائس مسارح مقدسة»[25].
ويتجلى الطابع المسرحي للحفل في كون المجتمع يقدم نفسه كفرجة لنفسه، من خلاله، ولا يقدمها كذوات مفردة وإنما ككل عضوي أو كماناMana، كما يقول جان دوفينيو Jean Duvignaud [26]. ومن مميزات الحفل كونه يخلق مسافة بين الكائن والظاهر «L’être et le paraître»ويعتمد في ذلك على عنصر من أهم العناصر المسرحية هو القناع. فعبر التنكر يتم بناء كل ممكن أو محتمل يتحرر من خلاله الإنسان من أسر الواقع.
ولإبراز الطابع المسرحي للحفل، يمكن أن نستند إلى إحدى أهم الدراسات الأنثروبولوجية التي أنجزها الباحث عبد الله حمودي في كتابه ـ«الضحية وأقنعتها La victime et ses masques»، حيث اعتبر الحفل التنكري «La mascarade» الذي يقام في عيد الأضحى في قبيلة أيت ميزان بالجنوب المغربي بمثابة دراما. هذا الحفل - الدراما ينتظم حول شخصية معروفة بأسماء كثيرة منها: بوجلود، هرمة، بيلمون، وبوسليخن[27]، ويخضع لأربع مراحل أساسية هي: أولا: مرحلة الفعل داخل الكواليس، وهي المرحلة التي يتهيأ فيها الممثلون المشاركون في الحفل التنكري داخل غرفة مظلمة تسمى «تخوربيشت»، توجد قرب أماكن الوضوء في المسجد حيث يلبسون الجلد ويستعملون الماكياج والأقنعة. ثانيا: مرحلة الخروج إلى أزقة القرية للتجول حيث تؤدي المجموعة المصاحبة لبيلمون رقصات وأغاني أثناء زيارتها لكل بيت على حدة. المرحلتان الثالثة والرابعة، تتمان في فضاء الساحة المركزية للقرية، حيث تخصص المرحلة الثالثة المسماة بـ«الأعمال والأيام» لتمثيل الأنشطة العضوية والتقليدية بما فيها الزواج والأعمال الزراعية للدورة السنوية، أما المرحلة الرابعة فتخصص لتمثيل الأفعال والأحداث التي أثارت الاهتمام وراج الكلام بين الناس حولها خلال السنة.
وبخصوص نوعية الفرجات التي تؤدى في هذا الحفل التنكري الدرامي يؤكد حمودي أنها تنتمي لنوعين اثنين: فهناك «هجاء العادات من جهة، ومشاهد قلب معايير الحياة العادية من جهة أخرى»[28].
إن هذا الحفل التنكري، إذن، حافل بمختلف المكونات المسرحية على مستوى الفضاء (تخوربيشت هي الكواليس، وساحة القرية هي خشبة المسرح)، والممثلين (بيلمون هو الشخصية المركزية والمجموعة هي الكورس)، والفرجة (التنكر هو الزي، والتحولات الخلقية هي الماكياج والعروض المقدمة من هجاء وقلب لليومي هي محتوى الفرجة)، والجمهور (ناس القرية).
3 - 2 - المسـرح والسياسـة:
يعد المجال السياسي من أكثر المجالات قربا من الممارسة المسرحية لأن ممارسة السلطة تستبطن مواقف مسرحية خفية تجعلنا نتحدث -استعاريا - عما يمكن تسميته بالتمسرح السياسي، وهذا التمسرح هو الذي يحقق للموقف السياسي القوة والفعالية والتأثير. في هذا السياق يؤكد جورج بالاندييه Georges Balandier أن المتخيل المسرحي يضيء الظاهرة السياسية، وأن «الممثل السياسي الكبير يحكم الواقع بواسطة المتخيل»[29].لذا، فإن كل سلطة سياسية تأسست على القوة وحدها أو العنف أو العقل، يكون وجودها مهدَّدا دائما، ولا يمكنها بالتالي أن تستمر إلا من خلال «التحويل وإنتاج الصور وتحريك الرموز وتنظيمها في إطار احتفالي»[30].
وينبني التمسرح السياسي على مجموعة من الأسس المسرحية، يمكن تحديدها في العناصر التالية:
- الاعتماد على ما يسمى بأسطورة البطل «Mythe du héros» التي تحقق للحاكم سلطة فرجوية ليس بواسطة القوة وإنما بالاستناد إلى قوته الدرامية «Force Dramatique» المؤسسة على ثلاثة عناصر درامية أساسية هي: المفاجأة، والفعل، والنجاح.
- تحقيق الحضور المستمر في الزمان والمكان عبر وسائل متعددة.
- الازدواجية التعبيرية: الصمت من جهة، واللغة الخاصة من جهة أخرى لتحقيق تأثير أكثر قوة.
يسعى الممثل السياسي من خلال هذه العناصر إلى تعميق الإيهام بالحقيقة من أجل ضمان الاندماج الكلي لجمهوره ودفعه إلى تبني مختلف المواقف السياسية. فليس مطلوبا منه أن يناقش أو يحلل، لذا يحاول الممثل السياسي إقصاء كل المقومات التغريببية (بالمفهوم البريشتي) عن فرجته السياسية. والهدف من هذا بطبيعة الحال هو أن تتحول المواقف السياسية الممسرحة إلى حقيقة يومية يتصرف الجمهور بوحي منها ويترجمها في كل حركاته وسكناته شعوريا أو لاشعوريا.
3 - 3 - المسـرح والعلـــم:
إن الحديث عن الاستعارة المسرحية في مجال العلم يبدو من أكثر الجوانب غرابة وإثارة في هذا الموضوع المتعلق بالمسرح والاستعارة، لأنه يدفع إلى البحث عن مظاهر اللعب والخيال والتمثيل، التي تعمل على قلب المنطق الواقعي، وتأسيس المتناقض والمتنافر، وبناء العلاقات المحتملة، وبالتالي البحث عن كل ما يميز المتخيل المسرحي داخل مجال يبدو محصنا بمقولاته ومفاهيمه ورموزه وقائما على الصرامة والموضوعية والروح العلمية المنبنية على الافتراض والاستدلال والاستنتاج.
لقد سبق أن أشرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة إلى أن من أكبر المفارقات التي يثيرها موضوع المسرح والاستعارة كونه يدفعنا إلى بناء جسور بين المسرح وبين مجالات بعيدة جدا عنه كالرياضيات مثلا. إلا أننا، بالمقابل، أكدنا - بالاعتماد طبعا على أحد المتخصصين في مجال العلاقة بين المسرح والرياضيات - أن الخطاب العلمي نفسه لا يمكن أن يوجد دون استعارات. ولعل من أهم هذه الاستعارات التي يقوم عليها الاستعارة المسرحية.
في هذا الإطار نجد سولومون ماركوس يقيم تماثلا بين المسرح والرياضيات مؤكدا أن هذه الأخيرة تشتغل بنفس الطريقة التي تعمل بها التراجيديا، وتختلف مع الطريقة المتبعة في الكوميديا، خصوصا في مجال رياضي معين هو مجال دراسة الدوال «Etude des fonctions» [31].فالتراجيديا «تعمل بواسطة القياس والاستبدال المنسجم داخل التفكير العقلي للبطل. فالأحداث مهيأة ومراقبة ومؤولة بحيث تكون منسجمة مع الفرضية.هناك تطور نحو التكامل والتعميم»[32]. وهذه الخصائص كلها هي التي تحضر بشكل واضح في دراسة الدوال في الرياضيات. وهذه الخصائص تخالف ما يجري في الكوميديا خصوصا وأن هذه الأخيرة «تعمل بواسطة تغيير أكثر اتساعا واستبدال مختلط. فكل تغيير لاتجاه الحدث يسجل اكتشاف انعدام المنطق واكتشاف إطار غير صالح ووضعية متناقضة. فالتطور موجود هنا أيضا، لكن داخل إطار التمييز والقدرة على صنع الفوارق»[33].
في إطار الاستعارة المسرحية في المجال العلمي يمكن أن يندرج ما سمَّاه ماركوس بتمسرح التواصل «Théâtralité de la communication» مؤكدا على أن ثمة توجها عاما نحو مسرحة تمثيل اللغة والتواصل الإنساني. وتتجلى أعراض هذا التوجه في:
«أ - الاهتمام المتزايد بالتداولية اللسانية. ب - تطور اللسانيات الاجتماعية. ج - توسع خطاطة العملية التواصلية خصوصا عن طريق الاهتمام المعطى للملاحظ والوظيفة العلاجية»[34]. فنظريات التواصل اللغوي الحديثة معروفة، ومنها نموذج جاكبسون Jackobson بمكوناته ووظائفه الست المشهورة. ومنها أيضا خطاطة شانون Shannon التي أثارت الانتباه إلى مكون آخر هو الضجيج الذي يحدد وظيفة جديدة هي الوظيفة الإزعاجية«Fonction perturbatrice». من هنا، فإن اللسانيات الحديثة، باهتمامها ببعض العناصر الخارج - لغوية «Extra-linguistiques» في العملية التواصلية مثل السياق وغيره أصبحت أكثر قربا من مجال المسرح.
ويعتبر مجال الدراسات النفسية من أكثر المجالات استثمارا للاستعارة المسرحية. ففي مجال علم النفس المرضي، مثلا، اطلق اصطلاح: «ممثلو الواقع Acteurs de la réalité» على الذوات العصابية Sujets névrotiques» التي تجعل من حياتها تمثيلا لخيالاتها الخاصة، سواء بالنسبة لذاتها أو بالنسبة للآخرين، كما استعمل مصطلح أدرمة «Dramatisation» لوصف «مظهر من مظاهر سلوك بعض الذوات التي تدبر، سواء عن علم أو عن جهل، كوارث حقيقية، خيالية أو واقعية، شبيهة بحل التراجيديات»[35].
في هذا السياق، يكن أن نجد من يقارب بين بعض الحالات النفسية أو المرضية وبين الوضعيات المسرحية. من ذلك ما أشار إليه أوكثاف مانونيOctave Mannoni الذي يرى أن بعض الذوات المصابة باللعب المسرحي «Sujets histrioniques» لا تشعر بإحساساتها، وإنما تلعبها من أجل محاولة الحصول عليها. فهي تمثل، دراميا، بعض الإحساسات كالحب، والحقد وغيرهما، لأنها تدافع عن نفسها ضد عدم كفاية ما تشعر به وضد إحساسها بالعدمية[36].
4 - تركيــب:
من خلال ما تقدم يتبين أن المسرح لا يوجد في النصوص المكتوبة ولا في البنايات المخصصة لتقديم الفرجات فقط، وإنما يوجد أيضا حيثما وجد الإنسان، وهو خاصية ملازمة لتفكيره وحركته. وهذه الخاصية هي التي تجعل المسرح يبني جسورا علائقية بينه وبين مجالات إنسانية متعددة اجتماعية، وسياسية، وعلمية، وغيرها، وهي التي تجعل منه فنا كونيا من جهة، ومجالا خصبا لتداخل الاختصاصات «Interdisciplinarité» من جهة أخرى.
[1] - يلاحظ القارىء للنقد العربي القديم أن أغلب الأحكام النقدية المواكبة للتجربة الشعرية القديمة بدءا من العصر الجاهلي تستثمر مجموعة من الصور البيانية. وهي قضية لها أبعادها الجمالية والفكرية في علاقتها ببنية الثقافة العربية الكلاسيكية. انظر:
Abdelfattah Kilito, «sur le métalangage. métaphorique des poéticiens arabes», in Poétique, N° 38, Avril, 1979.
[2] - أحمد مصطفـى المراغي، علــوم البلاغـة، دار القلم، بيروت، لبنـان، الطبعة الأولى 1990، ص. 191.
[3] - فرانسوا مورو، البلاغـة، المدخل لدراسة الصور البيانية، ترجمة الولي محمد/جرير عائشة، منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي، الطبعة الأولى، فبراير 1989، ص. 23.
[4] - عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغـة، دار الفكر، ص. 33.
[5] - ج. لايكوف / م. جونسون - نحيا بالمفاهيم (فصل من كتاب ''نحيا بالاستعارات'') - ترجمة: سعيد الحنصالي - الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي - العدد 233 - الأحد 10 يونيو 1990، ص. 4.
[6] - انظـر:
- Solomon Marcus, «Situations et Métaphores théâtrales dans la science contemporaine», in Approches de l’opéra, Didier Erudition, 1986, p. 20.
[7] - نفـس المرجـع، ص. 20.
[8] - نفس المرجـع، ص. 20.
[9] - نقصد بالاستعارة المسرحية تلك التي توظف جانبا من الجوانب الخاصة بالمسرح للحديث عن أشياء غير مسرحية ومنها تلك الاستعارة المشهورة عن شكسبير: «العالم مسرح ‘’The World’s a stage’’».
[10] - انظـر:
Bernard Dort, Théâtres (Essais), Ed. du Seuil, 1986, p. 11.
[11] - يمكن الرجوع إلى الخطاطة العاملية «Schéma actantiel» التي تقترحها الباحثة الفرنسية آن أوبرسفيلد Anne Ubersfeld بالنسبة لعلاقة العشق - مستلهمة كريماص - في كتابها: Lire le théâtre, Ed. Sociales, 1982, p. 64.
[12] - انظـر: Antonin Artaud, Le théâtre et son double, Gallimard, Idées, p. 33-34.
[13] - نفس المرجـع، ص. 34.
[14] - تؤكد أوبرسفيلد أن الفضاء «Espace» من أهم العوامل التي تضطلع بمهمة تنظيم الفوضى في المسرح.
[15] - انظـر: Anne Ubersfeld, Lire le théâtre, p. 14.
[16] - انظـر: Jean Jacques Roubine, Introduction aux grandes théories du théâtre, Bordas, Paris, 1990, p. 53.
[17] - انظـر: Antonin Artaud, Le théâtre et son double, p. 195.
[18] - انظـر: Bernard Dort, Théâtres, p. 11-12.
[19] - سعد الله ونـوس، بيانات لمسرح عربي جديد، دار الفكر الجديد، 1988، ص.74.
[20] - يعتبر العرض، باعتباره استعارة للواقع، بعدا آخر لإشكالية المسرح والاستعارة، وبالتالي فهو يستحق وقفة خاصة به نظرا لخصوبته.
[21] - انظـر: Josette Feral, La théâtralité: «Recherche sur la spécificité du langage théâtral», in Poétique, N° 75, Septembre 1988, P. 347.
[22] - انظـر: Solomon Marcus, «Situations et Métaphores théâtrales dans la science contemporaine», in Approches de l’opéra, p. 19.
[23] - انظــر: Anne Ubersfeld, Lire le théâtre, p. 19.
[24] - بيتـر بروك، المساحة الفارغـة، ترجمة فاروق عبد القادر، كتاب الهلال، عدد 342، ديسمبر 1986، ص. 19.
[25] - انظـر: Martin Esslin, Anatomie de l’art dramatique, Ed. Buchet: chastel, Paris, 1979, p. 32.
[26] - انظـر: Jean Duvignaud, Fêtes et civilisations, Weber, 1973, p. 43.
[27] - انظـر: Abdellah Hammoudi, La victime et ses masques, Ed. Seuil, 1988, p. 16.
[28] - نفـس المـرجع، ص. 37.
[29] - انظـر: Georges Balandier, Le pouvoir sur scènes, Ed. Balland, 1980, p. 15.
[30] - نفـس المرجـع، ص. 16.
[31] - انظــر: Solomon Marcus, «Situations et Métaphores théâtrales dans la science contemporaine», op. cit., p. 20.
[32] - نفـس المرجـع، ص. 20.
[33] - نفـس المرجــع، ص. 20-21.
[34] - نفـس المرجــع، ص. 22.
[35] - انظـر: Octave Mannoni, «Le théâtre de la folie», in Clefs pour l’imaginaire ou l’autre scène, Ed. Seuil, coll. Points, 1969, p. 302.
[36] - نفس المرجـع، ص. 302-303.
|
التسميات:
مقالات
بقلم الياس معاد
إسمـي الياس معاد مـن مواليـد سنـة 1989 ،بلـدي هـو المغرب، أهتم بمجال الفنون كلها بحكم مساري الدراسي و شغفي بالفنون السبعخريج الجامعة المتعددة التخصصات بورزازات شعبة التقنيات السمعية البصرية ; و السينما تخصص الصوت و الصورة خريج المعهد المتخصص في مهن السينما شعبة محرك آلياتي وكهربائي -أستاذ التعليم الابتدائي بورزازات -طالب باحث في المدرسة العليا للأساتذة بماستر التعليم الفني و التربية الجمالية بمكناسروابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات:
إرسال تعليق