معلم فقد أعصابه من كثرة أسئلة المفتش فحطم «قُلّة» مليئة بالماء على رأسه
===========================================
«كنت أقف أمام الفصل الذي أدرِّس به في انتظار أن يحين وقت الدراسة، وكان
التلاميذ حولي يصخبون. كنت ما أزال في بدايتي الأولى ولم أعتد بعد على جو
التدريس ولا أحد يعرفني بعد في الإعدادية. في لحظة معينة فوجئت بأحد
العاملين في الإعدادية يمسك بعصا و يأمر التلاميذ بالوقوف في الصف قبل أن
يتوجه نحوي و يصرخ في وجهي بحدة: «ادخل اللّمّك فالصّف» وكان على وشك أن
يضربني لولا أني أخبرته بأني أستاذ اللغة العربية الجديد». يحكي حسن ضاحكا،
قبل أن يضيف «المسكين شحب وجهه و أصابه التلعثم وهو يعتذر لي أمام
التلاميذ الذين انفجروا بالضحك. لكني عذرته، إذ كنت أنا أيضا أبدو مثل
تلميذ في الإعدادي. كما أنه لم يكن يعرفني شخصيا». تعددت المواقف الغريبة و
الطريفة التي مر بها هذا الأستاذ الشاب فيما بعد، لكنها لم تنسه ذاك
الموقف، الذي ظل دوما محفورا في ذاكرته، لا يغادرها. بالنسبة إلى حسن «لا
يمكن أن تجد معلما أو أستاذا دون أن تكون في جرابه حكايات طريفة وأحيانا
غريبة، سواء وقعت له شخصيا أو حدثت لزميل له بسبب طبيعة المهنة والاحتكاك
المباشر واليومي بين المدرس و تلاميذه أو بسبب علاقته بزملائه أو بالمدير
أو المفتش».
لعبة القط و الفأر
العلاقة بين المدرس وأحد هذه
الأطراف قد تصل أحيانا حد التوتر، كما حدث لأحد زملاء حسن. زميل حسن كان
أستاذا للرياضيات وكانت علاقته بمديره متوترة. «كانت العلاقة بينهما أشبه
بالقط والفأر. لا أحد كان يطيق الآخر» يقول حسن، والسبب؟ «سوء فهم بينهما
تطور فيما بعد إلى كراهية ازدادت حدتها حين أقدم المدير على كتابة تقرير ضد
المدرس يتهمه فيه باللامسؤولية وعدم الانضباط». لم ينتظر الأستاذ طويلا
وانتقم لنفسه من مديره بطريقته الخاصة. يحكي حسن أن زميله «دخل مكتب المدير
واحتج عليه بشدة. كان يعلم جيدا نقطة ضعف المدير، الذي ينفعل بسرعة ويفقد
أعصابه لأتفه الأسباب، وهو ما حدث فعلا، إذ بمجرد ما احتد الكلام بينهما،
حتى خرج المدير عن طوره وأمسك بخناق الأستاذ، الذي تركه يفعل به ما يشاء،
ثم استدرجه بمكر خارج المكتب نحو ساحة المؤسسة، وفي هذه اللحظة بالذات بدأ
الأستاذ يصرخ بالمدرسين والإداريين، وأَشْهَدهم على اعتداء المدير عليه
بعدما استفسره عن التقرير الذي كتبه ضده. وطبعا لم يفطن المدير للفخ الذي
نصبه له الأستاذ إلا بعد فوات الأوان».
مصيدة أخرى سقط ضحيتها مدير
آخر، والمدبر أيضا أستاذ. بدأت القصة حين جاء الأستاذ متأخرا عن موعده
فوبخه المدير، فلم يستطع ابتلاع الإهانة ودخلا في مشادة كلامية كانت
نتيجتها استفسارا قدمه المدير إليه. وكانت المفاجأة أن مزق المدرس ورقة
الاستفسار ورفض تقديم أي تفسير عن تأخره. استشاط المدير غضبا وكتب تقريرا
«أسود» أرسله إلى النيابة التعليمية، وبعد مدة قصيرة استدعى النائب الأستاذ
للتحقيق معه بشأن التقرير، ففاجأه هدوء الشخص وصورته التي تختلف كثيرا عن
الصورة التي وصفه بها التقرير، ولما سأله عن التهم التي وجهها إليه مديره
وعن الاستفسار الذي مزقه، أجاب الأستاذ بأن كل التهم الموجهة إليه ملفقة
وغير حقيقية، ثم أخرج الاستفسار، الذي ادعى المدير بأنه مزقه كدليل على صحة
كلامه وعلى افتراءات المدير، و الواقع أن الأستاذ لم يمزق أي استفسار، كل
ما في الأمر أنه مزق ورقة عادية خدع بها مديره.
معلم يحطم قُلّة ماء على رأس مفتش
العلاقة بين الأستاذ والمفتش التربوي تصاب هي الأخرى، بين الوقت والآخر،
بالتوتر، وهو ما يخلق أحيانا مواقف طريفة وغريبة في الآن نفسه. يحكي عادل
الذي كان يشتغل أستاذا بالثانوية الإعدادية «المستقبل» بالدار البيضاء، أنه
حضر مرة درسا تربويا ألقاه أحد أساتذة اللغة العربية، بحضور المفتش
التربوي وعدد من أساتذة اللغة العربية، و«حين كان الأستاذ مستغرقا في شرح
الدرس، قاطعه المفتش بطريقة مفاجئة وأخبره أن ثمة طريقة أخرى أفضل لشرح
درسه. لم ينبس الأستاذ بأي كلمة، بل وضع الطباشير على المكتب وخلع سترته
البيضاء، ثم أشار بأصبعه إلى المفتش بأن يحل محله وغادر القسم أمام ذهول
المفتش والأساتذة».
مثل هذا الموقف «قد يكون له مسوغ» يقول عادل، لأن
«المفتش تدخل بطريقة فجة. ولولا أن استطاع الأستاذ التحكم في نفسه وكبح
أعصابه لحدث ربما ما لا يمكن توقعه». لكن ماذا يحدث حين تنفلت الأعصاب؟
وأية توقعات يمكن تخيلها حينذاك؟
يتذكر عادل ما حدث لصديقه الذي عين
معلما للغة الفرنسية بنواحي ورزازات، وكادت نرفزته وانفلات أعصابه يوديان
به إلى الفصل من عمله. يحكي عادل قائلا: «كان هذا الصديق شخصا لطيفا، لكن
الظروف الصعبة التي عاشها حولته إلى إنسان عصبي، إذ كان يعيش في الدار
البيضاء، ثم وجد نفسه في منطقة منعزلة لا حياة فيها ولا نبض، وبعدما كان
يعيش مع أسرته صار وحيدا يسكن في القسم الذي يدرس به. لم يستطع طبعا التحمل
كثيرا وانفجر في أول امتحان واجهه، وكان أول امتحان لما زاره أحد
المفتشين. كان المفتش دقيقا في أسئلته ويبحث في كل صغيرة وكبيرة، مما أثار
أعصاب صديقي، الذي لم يستطع تحمل ملاحظاته وانتقاداته، فما كان منه سوى أن
أمسك بقلة مليئة بالماء كانت بقربه وحطمها على رأس المفتش».
تصرف هذا المعلم كان سيفتح عليه أبواب جهنم، يقول عادل، لولا تدخل مدير الملحقة التربوية التي يدرس بها.
مدرس يرميه التلاميذ ب«كُراع» خروف
ما يحدث من مواقف أحيانا طريفة بين المدرس والمدير أو المفتش، تبقى محدودة
مقارنة بما يقع أحيانا بين المدرس وتلاميذه، بحكم العلاقة اليومية والتماس
المستمر بين الطرفين. حكايات طريفة وأحيانا مقالب يكون المدرس في الغالب
ضحية لها: أستاذ للرياضيات يفاجأ، باستمرار، باختفاء السبورة من الفصل كلما
أراد تدريس مادته لتلاميذ أحد الأفواج وآخر يدخل المؤسسة فيطارده تلميذ
«مقرقب» بمدية، وثالث كان يكتب الدرس فرماه تلاميذ ب«كراع» خروف... مواقف
عديدة مضحكة في الظاهر، يقول عادل، لكن في عمقها تكشف أن زمن «قم للمعلم
وفّه التبجيلا...» قد ولى بلا رجعة.
معلم فقد أعصابه من كثرة أسئلة المفتش فحطم «قُلّة» مليئة بالماء على رأسه
===========================================
===========================================
لعبة القط و الفأر
العلاقة بين المدرس وأحد هذه الأطراف قد تصل أحيانا حد التوتر، كما حدث لأحد زملاء حسن. زميل حسن كان أستاذا للرياضيات وكانت علاقته بمديره متوترة. «كانت العلاقة بينهما أشبه بالقط والفأر. لا أحد كان يطيق الآخر» يقول حسن، والسبب؟ «سوء فهم بينهما تطور فيما بعد إلى كراهية ازدادت حدتها حين أقدم المدير على كتابة تقرير ضد المدرس يتهمه فيه باللامسؤولية وعدم الانضباط». لم ينتظر الأستاذ طويلا وانتقم لنفسه من مديره بطريقته الخاصة. يحكي حسن أن زميله «دخل مكتب المدير واحتج عليه بشدة. كان يعلم جيدا نقطة ضعف المدير، الذي ينفعل بسرعة ويفقد أعصابه لأتفه الأسباب، وهو ما حدث فعلا، إذ بمجرد ما احتد الكلام بينهما، حتى خرج المدير عن طوره وأمسك بخناق الأستاذ، الذي تركه يفعل به ما يشاء، ثم استدرجه بمكر خارج المكتب نحو ساحة المؤسسة، وفي هذه اللحظة بالذات بدأ الأستاذ يصرخ بالمدرسين والإداريين، وأَشْهَدهم على اعتداء المدير عليه بعدما استفسره عن التقرير الذي كتبه ضده. وطبعا لم يفطن المدير للفخ الذي نصبه له الأستاذ إلا بعد فوات الأوان».
مصيدة أخرى سقط ضحيتها مدير آخر، والمدبر أيضا أستاذ. بدأت القصة حين جاء الأستاذ متأخرا عن موعده فوبخه المدير، فلم يستطع ابتلاع الإهانة ودخلا في مشادة كلامية كانت نتيجتها استفسارا قدمه المدير إليه. وكانت المفاجأة أن مزق المدرس ورقة الاستفسار ورفض تقديم أي تفسير عن تأخره. استشاط المدير غضبا وكتب تقريرا «أسود» أرسله إلى النيابة التعليمية، وبعد مدة قصيرة استدعى النائب الأستاذ للتحقيق معه بشأن التقرير، ففاجأه هدوء الشخص وصورته التي تختلف كثيرا عن الصورة التي وصفه بها التقرير، ولما سأله عن التهم التي وجهها إليه مديره وعن الاستفسار الذي مزقه، أجاب الأستاذ بأن كل التهم الموجهة إليه ملفقة وغير حقيقية، ثم أخرج الاستفسار، الذي ادعى المدير بأنه مزقه كدليل على صحة كلامه وعلى افتراءات المدير، و الواقع أن الأستاذ لم يمزق أي استفسار، كل ما في الأمر أنه مزق ورقة عادية خدع بها مديره.
معلم يحطم قُلّة ماء على رأس مفتش
العلاقة بين الأستاذ والمفتش التربوي تصاب هي الأخرى، بين الوقت والآخر، بالتوتر، وهو ما يخلق أحيانا مواقف طريفة وغريبة في الآن نفسه. يحكي عادل الذي كان يشتغل أستاذا بالثانوية الإعدادية «المستقبل» بالدار البيضاء، أنه حضر مرة درسا تربويا ألقاه أحد أساتذة اللغة العربية، بحضور المفتش التربوي وعدد من أساتذة اللغة العربية، و«حين كان الأستاذ مستغرقا في شرح الدرس، قاطعه المفتش بطريقة مفاجئة وأخبره أن ثمة طريقة أخرى أفضل لشرح درسه. لم ينبس الأستاذ بأي كلمة، بل وضع الطباشير على المكتب وخلع سترته البيضاء، ثم أشار بأصبعه إلى المفتش بأن يحل محله وغادر القسم أمام ذهول المفتش والأساتذة».
مثل هذا الموقف «قد يكون له مسوغ» يقول عادل، لأن «المفتش تدخل بطريقة فجة. ولولا أن استطاع الأستاذ التحكم في نفسه وكبح أعصابه لحدث ربما ما لا يمكن توقعه». لكن ماذا يحدث حين تنفلت الأعصاب؟ وأية توقعات يمكن تخيلها حينذاك؟
يتذكر عادل ما حدث لصديقه الذي عين معلما للغة الفرنسية بنواحي ورزازات، وكادت نرفزته وانفلات أعصابه يوديان به إلى الفصل من عمله. يحكي عادل قائلا: «كان هذا الصديق شخصا لطيفا، لكن الظروف الصعبة التي عاشها حولته إلى إنسان عصبي، إذ كان يعيش في الدار البيضاء، ثم وجد نفسه في منطقة منعزلة لا حياة فيها ولا نبض، وبعدما كان يعيش مع أسرته صار وحيدا يسكن في القسم الذي يدرس به. لم يستطع طبعا التحمل كثيرا وانفجر في أول امتحان واجهه، وكان أول امتحان لما زاره أحد المفتشين. كان المفتش دقيقا في أسئلته ويبحث في كل صغيرة وكبيرة، مما أثار أعصاب صديقي، الذي لم يستطع تحمل ملاحظاته وانتقاداته، فما كان منه سوى أن أمسك بقلة مليئة بالماء كانت بقربه وحطمها على رأس المفتش».
تصرف هذا المعلم كان سيفتح عليه أبواب جهنم، يقول عادل، لولا تدخل مدير الملحقة التربوية التي يدرس بها.
مدرس يرميه التلاميذ ب«كُراع» خروف
ما يحدث من مواقف أحيانا طريفة بين المدرس والمدير أو المفتش، تبقى محدودة مقارنة بما يقع أحيانا بين المدرس وتلاميذه، بحكم العلاقة اليومية والتماس المستمر بين الطرفين. حكايات طريفة وأحيانا مقالب يكون المدرس في الغالب ضحية لها: أستاذ للرياضيات يفاجأ، باستمرار، باختفاء السبورة من الفصل كلما أراد تدريس مادته لتلاميذ أحد الأفواج وآخر يدخل المؤسسة فيطارده تلميذ «مقرقب» بمدية، وثالث كان يكتب الدرس فرماه تلاميذ ب«كراع» خروف... مواقف عديدة مضحكة في الظاهر، يقول عادل، لكن في عمقها تكشف أن زمن «قم للمعلم وفّه التبجيلا...» قد ولى بلا رجعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق